اكاد اجزم ان من قال على نجيب محفوظ انه ملحد او شكك فى ايمانه انه اعطى حكما مسبقا و انه لم يقرأ حرفا له . محفوظ مؤمن بعقله و قلمه ومن لم يقرأ اولاد حارتنا لم يقرأ لمحفوظ ..
سلاما على روحك الطيبه يا محفوظ :)) كم كنت اتمنى ان انال شرف رؤيتك و لكن لنا موعد اخر .. :)
"هل يريدُ اللهُ أنْ يمنعَ الشر، لكنهُ لا يقدر؟ حينئذٍ هو ليسَ كُليَ القدرة... هل يقدر، لكنه لا يريد؟ حينئذٍ هو شرير، ليسَ إلا... هل يقدر ويريد؟ فمن أي يأتي الشرُ إذًا؟!"
تساؤلٌ مهمٌ لطالما راودني: "من أي يأتي الشرُ إذًا؟"
وفي أحدى مراجعاتِ هذه الرواية، عرفتُ انهُ تساؤلٌ مطروحٌ راودَ البشريةَ منذُ آلاف السنين، وهو مطروح أعلاه على لسان "أبيقور"، أحد الفلاسفة اليونانين، وفي هذهِ الرواية وجدتُ إجابتي، لكننا سنعرج على هذه النقطة لاحقًا، قربَ نهايةِ المراجعة. _____________________
فلنعدْ الآنَ إلى ما قبلِ البداية، ب أقتباسٍ آخر...
"الكتاب الذي كادَّ ان يودي بحياة كاتبه"
هكذا يتم التسويق ل"أولاد حارتنا"، هكذا تعرفتُ على هذه الرواية أولَ مرة، وهكذا كانت بدايتي في رحلةِ بحثٍ عن مزيد. جملةٌ في ظاهرها؛ مجردُ محاولةٍ رخيصة، لكنها مثيرةٌ للاهتمام، وفي هذه الحالة -وعلى غير العادة- فأنها ليست مجرد جملة دعائية كاذبة، بل هي حقيقة، ويمكنك أن تفهم أثناء قراءتك للقصة الأولى، من خمسِ قصص، لماذا تم طعن نجيب محفوظ، في محاولةِ إغتيالٍ لم تكن الأولى، فأقلُ ما يقال عن العمل، أنه جريء، وكوني أعاني، حتى يومي هذا من عقولٍ منغلقة تأبى تقبل الآخر، تأبى التفاهم، بل وتأبى حتى الاستماع للغير، فلا يسعني سوى أن أثني على الشجاعة في محاولته لنشرِ شيءٍ مماثل، قبل ما يزيد عن الستين سنةً، حينَ كانت العقول أقلَ انفتاحًا، والناسُ أقلَ تفهمًا، وفي مجتمعٍ قد يكون أكثر تشددًا والتزامًا من ما أعاني منه اليوم...
حين بدأتُ قرائتي، متابعًا حوارَ أدهم وأميمة، وكيف أنها أصرت على دفعهِ نحو ما لا تحمدُ عقباه، (ولم أكُّ وقتها قد أدركتُ بعد من تمثل هذه الشخصيات، ومن هو المقصود بهذه القصة) فكرت أن هذه الحوارات وما هو على شاكلتها مدعاةٌ ليعيشَ الأنسانُ حياتهُ راهبًا، وبعد أن أكملتُ قراءةَ القصةِ الأولى، وأدركت ما لم اكن لهُ بمُدرك، زادَ اقتناعي بما جالَ في خاطري.
في القصة الأولى أعجبتني طريقة تصوير الجبلاوي، بهذه الضخامة التي تضربُ بها الأمثال، وتاريخه الذي حيرَ أبناء حارته، حدة طباعه، عدالتهُ التي لا تقبلُ أيَّ مساومة، عقابهُ الذي لا رجوعَ عنه، وما كانَ يحيط به وبمقتنياته من غموض، كما هو الحال مع الحجة، والرغبة الجامحة في معرفة الشروط العشرة.
وكم هي مميزة تلك الحقبة الزمنية التي أختارها محفوظ لاسفاره، وذلك المكان الشهير، ف"حارة الجمالية" التي ولد فيها محفوظ شخصيًا، "جبل المقطم" الذي ما زال يميز القاهرة القديمة، "الفتوة" و"النبوت"، كلها مفردات تمثل معالم راسخة، ومن رسخها هو تلك القصص التي طالما تابعتها عبرَ الأفلام والمسلسلات التي تبنت أعماله، وما أكثرها، وما أعمقها...
ننتقل بعدها إلى القدرة الإبداعية التي مكنت الكاتب من تصوير حياةٍ مليئة بالمعجزات، ضمن إطار درامي تاريخي خالي من أيِ ظَواهرَ خارقة، بعيد كل البعد عن الفانتازيا، ليتم سردها بطريقة واقعية، ومع ذلك تستمر بمحاكاةِ تلكَ المواقف الإعجازية، التي تمثل محطات مهمة جدًا في حياة أبطالنا، بل قد تكون الأهم، وهو شيء يستحق الوقوف عنده، حيث ان ما قرأتهُ يحتاجُ كمًا لا بأسَ بهِ من الأبداع والقدرة على التصوير، ومن أمثلةِ ذلك حادثةُ شق البحر الأحمر، وكيف رسمها الكاتب بطريقةٍ تلائمُ قصةَ "جبل"، تساهم في تطورها ودفعها إلى حيثُ يجبُ أن نذهب، وكلُ هذا من دونِ أنْ يُحسَ القارئُ أنها مقحمةٌ داخل الأحداث، غريبةٌ عليها.
أعجبني أيضًا أننا دائمًا ما كنا نعود إلى الجريمة الأولى على الأرض، لتحكى على شكل قصة على لسان أحد رواد المقاهي، أو الشعراء، فيتمَ أختيارُ أحد أجزاءِ القصة بعناية تكاد تكون مثاليةً، تضعنا في مقارنة دائمة بين ما يحدث كل يوم، وكيف أنهُ دائمًا بشكلٍ أو ب آخر، مرتبط بتلك الجريمة إرتباطًا وثيقًا...
"لكنَ آفة حارتنا النسيان"
ليس هذا فحسب، بل أن مثل هذه المداخلات تهدف أيضًا إلى توضيح كيف أن الأنسان يميل إلى الاستغراق في ذكرياته، وكيف انه يمكن أن يشغل نفسه بماضيه، لدرجة نسيان حاضره، ومن لا حاضر له، لا مستقبلَ له.
احببتُ قصةَ "رفاعة" إلى حدٍ كبير، فرسم الشخصية، علاقاته العائلية، ونسيج الحارةِ وقتها كان في أعلى مستوياته، ولكنها برأيي كانت ظالمة لمن تمثله، فمن الصعب تصديق أن هذا الشخص الهز��ل، الهش، هو من يتبعهُ ما يقارب المليارين ونصف المليار شخص، مؤمنينَ برسالته، مصدقين لما جاءَ به رغم مرور ما يزيد عن ألفي سنة!! أين معجزاته! فقد كانَ معجزةً حتى قبلَ أن يولد!! وقد كان التمثيلُ ظالمًا فيما يخصُ جانب الشر كذلك، فلم يوفق الكاتب في عكس ما عاناه بطلنا، وعكس أنواع العذاب والهوان التي لاقاها في حياته على قِصَرها
انهيت الرواية باﻷمس لكنى لم استطع التوقف عن التفكير بها رغم انى بدأت فى رواية أخرى لكن لازالت جملة نجيب(افة حارتنا النسيان) معى لاتفارقنى وكما كنت أراها مع بداية كل شخصية فى المثل (رجعت ريما لعادتها القديمة ) ومثل اخر مع الأحداث (يافرعون مين فرعنك قال ملقتش حد يلمنى )
لاانكر انى لم استطع تجاهل الرمزية الدينية لكنها لم تستحوذ على تفكيرى ربما لان ماقلته سابقا استحوذ على تفكيرى اكثر (افة حارتنا النسيان) مثلنا لازلنا ننسى . فلنبتعد قليلا عن التشابه بين قصص الانبياء ولننظر فى الشخصيات ومحاولة كل منهم الوصول للسعادة وحلم ادهم ورغبة الجبلاوى من وجهة نظرة . سواء بالقوة والحصول على حق فئة واحدة بغض النظر عن الاخرين او عن طريق الحب والوصول للسلام النفسى او تحقيق العدل للجميع او بالعلم . كل منهم وصل لكن بعد وفاتهم " تعود ريما لعادتها القديمة" ويعود " فرعون وحاشيته " ويعود الذل والهوان للبقية التى تصمت خوفا من الموت لكن كما قال عرفه ( الخوف لايمنع من الموت ولكنه يمنع من الحياة )
وانتظار المنقذ ولازلنا نفعل ليست الحارة لكن الشعوب بأكملها و ننسى ان الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم وان اى من الشخصيات سواء برمزيتها الدينية او بدونها لم تحقق ماتريد بمفردها لكن بمساعدة من ووقفوا بجانبه وساندوه ولازلنا نحيا تحت حكم الناظر والخوف من الفتوة بالقوة وممن يقفون حوله ويمتلكون المعرفة وحلو الحديث خوفا على أنفسهم او رغبة فى الوصول والحياة المريحة ولازلنا نتشاجر فيما بيننا ونبحث عن مصلحتنا الشخصية فقط وننشغل فيما بيننا وكل فريق يرى انه هو الاصلح والاقوى والافضل مثلما كان كل جزء من الحارة يرى نفسه.
"و يُعيد التاريخ نفسه." جملة نعرفها و نكررها جميعا و تدل علي أن فطرة الله و سنة الحياة مستمرة و تنطبق علي كل دهر و كل حال. يأكل القوى الضعيف ، يحقد الضعيف علي القوي و إذا أصبح القوي ضعيفا لكره ما كان عليه ، و لو أصبح الضعيف قويا لصار ما كان يكره.
في حارة الجبلاوي - بجوار الجمالية في القاهرة - و التي ترمز للدنيا بجميع طبقاتها ، ذليلها و عزيزها ، فتوتها و متسولها ، يتعاقب عليها الأجيال يختلفون في الاسماء و الأشكال و لكن يشتركون في الأحوال و النهايات .
تبدأ الرواية بأن أحدا من أولاد الحارة قرر أن يسجل الأحداث التي مرت بها حارته فأخذ يكتب لنا من بدايتها مرورا بأكثر سكان الحارة تأثيرا فيها و ليترك لك نهاية تنسجها بنفسك.
و دائما ما تنتهي كل قصة باستنتاج واحد " كانت آفة حارتنا النسيان." ليكرر الزمان فعلته و جريمته بأن ينسّي البشر عاقبة أفعالهم و لتعود دائرة الأحداث تدور من جديد.
" الخوف لا يمنع الموت و لكنه يمنع الحياة ، و لستم يا أهل حارتنا أحياء و لن تتاح لكم الحياة مادامتم تخافون الموت".
كانت أولاد حارتنا تقديما لفلسفة نجيب محفوظ علي هيئة رواية.
في النهاية كانت رحلة طويلة ممتعة مُربكة في حارة الجبلاوي. ✨.
" إن الذين لا يعتبرون من أخطاء الماضي مكتوب عليهم تكرارها مرة أخرى." ألفرد ويتني جريسولد.
الله هو الذي يعطي للقيم معناها، الله هو الذي يعطي للوجود معناه، بدونه لا معني للوجود، لا معني للقيم، وبديله هو العبث،اللا معني.”
هذة هى جملة محفوظ التى قالها فى حواره مع محمد سلماوى ، تذكرتها وأنا أقرأ فى الفصل الأخير : "عرفة"ـ
حيث الجبلاوى انتهى وانتهت اسطورته ، فحل بدل منه الخوف وعدم الأمان ، ونقض السلام ..
الشعور العام بالأسى ، الإفلاس المعنوى .. لاقيمة ولا معنى ، و تمنى الموت بدلاً من الحياة المفلسة القاسية
إذا جازت التسمية " التصحر الروحى " ـ
وأعتقد أن ظروف كتابة الرواية ، حيث اندلاع الحرب العالمية الثانية.. ومابعدها من إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما ، الأمر الذى هز العالم هزاً ، و زلزل مشاعر الناس وأعطاهم شعور بعبثية الوجود ، ومخاطر العلم التى من الممكن أن تبيد بلداناً كاملة
[ وهذا واضح جداً من حيث فصل " عرفة " ]
ولم يكن إلا أملاً أخيراً باقياً فى الإله
وأريد أن أقول أولًا حتى لا أنسى من حيث التقنية السردية أن : بعدما قرأت عزازيل .. يمكننى أن أقول : أن محفوظ جعل من عمله : رواية أدبية بشخصيات وأحداث روائية بحتة .. ولم ينحو المنحى التاريخى على حساب الهوية الأدبية للرواية ..
فشخصياته لم تكن بدلالتها التاريخية وتأويلاتها الواقعية ..
بل كانت شخصيات روائية بشكل صـِرف ، قد تحمل على شخوص واقعية أو تاريخية
ونفس الوضع للأحداث
وهذا مايلفت النظر للفرق ، بين الروائى .. والباحث الذى يحوّل بحثًا تاريخيًا لرواية..
أما عن الأسلوب .. دعونا نقول أن الرواية : بالنسبة لزمن نشرها منتصف الخمسينات تقريبًا تعد فتحًا جديدًا من حيث الأسلوب ..
ربما الرواية عادية لمن سيقرأها اليوم أو من قرأها بعد أن طغت تيارات الحداثة على الأعمال الروائية ..
لكن من قرأها فى وقتها .. سيكتشف أسلوبًا جديدًا يختلف كل الأختلاف عن الأنماط الروائية التى كانت سائدة وقتها .. -- .. لن أتحدث عن موضوع الرواية ماقبل فصل " عرفة " فهو معروف ومعلوم
ولكنى سأتحدث عن المعترضون على المساس بالمقدسات على حد تعبيرهم ..
بما إنى قد درست فى السنة الأولى من الكلية " السيمولوجيا" أو السيمياء أو علم الرمز فى الفنون
إسمحوا لى أن أقول أن الرمزيّة ، تختلف كل الاختلاف عن التجسيد ..
ما فعله محفوظ هذا هو " رمزية " وليست " تجسيد" فلم يحدث أى تجسيد للإله أو للأنبياء فى الرواية
بل حدث مجرد " ترميز "ـ
فأقرب مثال للتجسيد يحضرنى الآن فى ذهنى مسرحية " الإله يقدم إستقالته فى اجتماع القمة" لنوال السعداوى .. والتى جسدت فيها الله والأنبياء بهيئاتهم وشخصياتهم
وإن كنت مع الحرية المطلقة للإبداع ولكنى _ بشكل شخصى _ لا أحب هذا الشكل من المباشرة
أما الرمزية فليس فيها أى إهانة للرموز الدينية وما إلى ذلك ..
وسنضرب مثلاً بحمدين صباحى حينما مـُنـِح رمز النسر
أو عبد المنعم ابو الفتوح حينما منح الحصان ، هل فى ذلك أى إهانة ، أو ظن أحدهما أن هذا تشبيه بأى المرشحين بالحيوان إذن القضية ليس فيها أى إهانة .ـ
أو مساس ، ولكن لابد مما ليس منه بد ..
وكنت أريد تأخير هذا المثال ، ولكن سأضرب مثلاً _ ولله المثل الأعلى _ من القرآن ألم يرمز الله للإنسان بالغراب فى القرآن الكريم ؟
فلا داعى للنعرات الكاذبة ، والمزايدة على إيمان البعض من البعض ..
=======================================
يشك البعض فى مصداقية جائزة نوبل لإنها منحت لـ"أولاد حارتنا" وهى الرواية متواضعة المستوى أمام روايات رائعة و ملحمية ولا تقارن بها أصلاً كـ " الحرافيش " مثلاً
ولكنى أقول : أن لنوبل مواصفات خاصّة ، فمهما بلغ من عظمة أى عمل أدبى ، يبقى الأولوية للأعمال التى تمس القضايا الوجودية والتى تتحيز للإنسانية عموماً ..
و لإنى لم أقرأ مقال : أحمد كمال أبو المجد مع احترامى له ، ولكن هل هو لديه عقل وأنا لا ، أم أنى أضع لنفسى مبررات معينة ؟ سأقرأ أنا وأحكم .. ثم فلنفرض أن محفوظ ملحد بالفعل ، مالمانع أن نقرأ كلماته وننتقده أشد الهجوم ..
أم أنه مجرد إسكات لأصحاب العقول الظلامية ، وأنصار التعاملات الرأسية مع الفكر والفن والأدب كالمصادرة والمنع والحجب ، والإرهاب والترويع
وإنى لأعتقد بيقين شخصى ،أن محفوظ الآن ينعم فى جنان الخلد جزاءًا فقط بما صنعه هذا العمل ، ولابد أن الله ممتن له جدًا بسبب هذا العمل الرائع
بل إن الله كان يُقدر من يهتمون لأمره حتى لو كانوا كفارًا ..
لذا : انعم فى الجنة _ نجيب_ وتمتع بالقرب من الله
وعمومًا:
يبقى دائماً الناس يلوذون بالصبر ، ويتشبثون باليقين ..
ويستمر الصراع دائماً ولن ينتهى أبدًا ويبقى الأمل عند أطرافه المتنازعة فى السلام والاستقرار
كما هى نهاية الرواية
" الناس قد تحملوا البغى فى جلد ، ولاذوا بالصبر واستمسكوا بالأمل ، وكانوا كلما أضر بهم العسف ؛ قالوا لابد للظلم من آخر ، ولليل من نهار .. ولنريّن فى حارتنا مصرع الظلم ونهاية للطغيان ومشرق النور والعجائب "
حارتنا حارة الشجعان ولكل حي شجاع ولما ظلم الفتوات يزيد يظهر شجاع يحقق العدل. مرة بالقوة، مرة بالحب، ومرة بالاثنين مع بعض. وآخرهم بالعقل.. بس آفة حارتنا النسيان وما الحكايات آلا للتذكير فالذكرى تنفع الناس...
"هذه حكاية حارتنا، أو حكايات حارتنا وهو الأصدق. لم أشهد من واقعها إلا طوره الأخير الذي عاصرته، ولكني سجلتها جميعًا كما يرويها الرواة، وما أكثرهم! جميع أبناء حارتنا يروون هذه الحكايات، يرويها كلٌّ كما يسمعها في قهوة حيِّه أو كما نُقلتْ إليه خلال الأجيال، ولا سند لي فيما كتبت إلا هذه المصادر. وما أكثر المناسبات التي تدعو إلى ترديد الحكايات! كلما ضاق أحد بحاله، أو ناء بظلم أو سوء معاملة؛ أشار إلى البيت الكبير على رأس الحارة من ناحيتها المتصلة بالصحراء، وقال في حسرة: «هذا بيت جدِّنا، جميعنا من صلبه، ونحن مستحقو أوقافه، فلماذا نجوع؟ وكيف نضام؟!»"
رواية نجيب محفوظ المثيرة للجدل، الرواية التي كادت تقتل صاحبها، الرواية التي كُفر بسببها صاحبها.
ليه نجيب محفوظ كتب رواية أولاد حارتنا السؤال ده أكثر سؤال كنت بفكر فيه وأنا اقرأ الرواية للمرة الثانية. لماذا كتب نجيب محفوظ أولاد حارتنا. ولماذا اختار قصص الأنبياء لسردها في الحارة. المحور الأساسي في الرواية هو العدل الظلم والفتوات وحلم الحياة الجيدة بس برضه ليه اختار نجيب محفوظ قصص الأنبياء (هل هم رمز العدالة الأهم في التاريخ)
"وجدُّنا هذا لغز من الألغاز؛ عُمِّر فوق ما يطمع إنسان أو يتصور، حتى ضُرب المثل بطول عمره، واعتزل في بيته لكبره منذ عهدٍ بعيد، فلم يره منذ اعتزاله أحد."
الرواية بالنسبة إلى نجيب محفوظ عادية جدًا وللعظمة إلى وصلها في الثلاثية فالرواية تعتبر أقل ولولا الجدل الذي ثار حولها لكانت من أقل رواياته شهرة لإنها رواية تجريبيه في المقام الأول ونجيب محفوظ فيها كان يخرج من منطقة الواقعية إلى الرمز والفلسفة. " كنت في الماضي اهتم بالناس والأشياء.. ولكن الأشياء فقدت أهميتها بالنسبة لي، وحلت محلها الأفكار والمعاني، وأظن هذا تطورًا طبيعيًا بالنسبة لسن الكاتب.. أصبحت أهتم اليوم بما رواء الواقع."
أنا عندي شعور أن الرواية دي في أولها على الأقل كانت مجرد تدريب لنجيب محفوظ على الكتابة بعد التوقف عنها من بعد الثلاثية ( سنوات اليأس أو سنوات الجفاف من 1952-1957) أصل هو نجيب محفوظ عمل إيه غير إعادة سرد لقصص الأنبياء بس رجعهم للحارة المصرية أكتر مكان هو مرتاحة للكتابة فيه، والجديد كانت حكاية عرفة، كل ده مجرد تخمين مني والواحد كان نفسه يشوف مسودات الرواية بس لما قرأت كتاب أولاد حارتنا: سيرة الرواية المحرمة لمحمد شعير للأسف المسودات للرواية غير موجودة وديه فرصة نذكر كتاب محمد شعير وإنه كويس جدًا ومليان معلومات لطيفة. وكانت عودة نجيب محفوظ للكتابة ودخولنا في مرحلة جديدة من أدبه، وكانت عودة حميدة.
الرواية تبدأ مع أدهم وإدريس وأبوهم الجبلاوي لما قرر يسيب أدارة الوقف لأصغر ابناءه أدهم مفضله عن ابنه الأكبر إدريس-من وجهة نظر إدريس- ويطرد إدريس وبالمكيدة يطرد أدهم، تبدأ الحارة تنشئ حولين البيت الكبير بيت الجبلاوي.
"لا أمل إلا في هذا الخلاء، أدركوا هذا وأريحوا أنفسكم، ايئسوا من هذا البيت اللعين، أنا لا أخاف هذا الخلاء، حتى إدريس نفسه لا أخافه، وبوسعي أن أكيل له من الضربات أضعاف ما يكيل لي. ابصقوا على هذا البيت وأريحوا أنفسكم."
وتمر الأيام والسنين ويجي ناظر في فتوة وينتشر الظلم، ويظهر إلي يحاربه معظم الوقت بمباركة الجبلاوي. جبل يأتي فرفاعة فقاسم والهدف واحد هو العدل. وفي هدف أخر دائمًا وهو الحلم والأمل في العودة للجبلاوي ومباركته وحلم البيت الكبير، ومع عرفة البيت الكبير يفتح ولكن لا أحد يدخله! (لأن البيت الكبير حلم لا يوصل له إلا بالموت!)
"نحن أسرة الظلام، لن يطلع علينا نهار! وكنت أحسب الشر مقيمًا في كوخ إدريس، فإذا به في دمنا نحن. إن إدريس يُقهقِه ويسكر ويعربد، أما نحن فيقتل بعضنا البعض."
وبعد كلام كثير ننظر للرواية كرواية بعيدًا عن الرمز عشان الرمز بحر وكله ودماغه (بس والحوار ده صعب جدًا). الرواية عبارة عن- ولا أعتقد انها معلومة جديدة على أحد- خمس حكايات الرابط بينهم المكان لأن الأشخاص تتغير دائمًا. الزمن ثابت في الرواية أيضًا ما بين كل الأجيال الزمن والعادات وكل شيء زي ما هو، فالعدل بيِن والظلم بيِن والأمل هو المحرك.
"ما أعرف أولاد حارتنا بالحكايات، فما بالهم لا يعتبرون!"
هنا نجيب محفوظ دخل الحارة بالمكان والشخصيات، والفتوات لعبت دور كبير لم تأخذه في أي رواية من قبل، وهنا نزل كام درجة عشان يوصلنا للإنسان على طبيعته بعيدًا عن جماليات الطبقة الوسطى- أن صح التعبير- طبقة الموظفين والمتعلمين والتجار إلى لحد المرحلة ديه رواياته بدور حولها؛ وممكن الرواية ليه الوحيدة إلي واخده نفس العالم والاحساس كانت زقاق المدق. وهنا من معرفتي للكاتب وقراءتي لملحمة الحرافيش فأنا بحب الكاتب في المنطقة هذه أكثر.
"في كل شبر من هذه الحارة تجد دليلًا على وجود الفتوات، ولكنك لن تجد دليلًا واحدًا على وجود أناس مثل جبل أو رفاعة أو قاسم."
وملحوظة في الرواية هنا ويمكن روايات نجيب محفوظ من بعد كده كمان أن الحوار زاد من رواياته السابقة بنسبة كبيرة، الوصف والسرد لمعايشة الحالة أو الحدث أو تفكير الشخصية فقط دون زخرفة زائدة، وده جعل الجمل معبرة بطريقة عظيمة.
"الموت الذي يقتل الحياة بالخوف حتى قبل أن يجيء. لو رُد إلى الحياة لصاح بكل رجل: لا تخف .. الخوف لا يمنع من الموت ولكنه يمنع من الحياة. ولستم يا أهل حارتنا أحياء ولن تتاح لكم الحياة ما دمتم تخافون الموت."
الشخصيات في العمل ده بسبب إنها كانت لرمز فلم تكن أفضل حاجة وحاسس أن كان ممكن الشغل عليها أكتر من كده، وهنا أحنا بنتكلم عن نجيب محفوظ وشخصيات نجيب محفوظ فالواحد كان متوقع أكثر من كده. لو نرتب الرواية من حيث الحكايات بالنسبة لي عرفة فأدهم فجبل فقاسم فرفاعة.
"فقال عرفة في جذل كالنشوة: السحر شيء عجيب حقًّا، لا حد لقوته، ولا يدري أحد أين يقف، وقد تبدو النبابيت نفسها لمن يملكه لعب أطفال، تعلم يا حنش ولا تكن غبيًّا، تصور لو كان جميع أولاد حارتنا سحرة؟"
وبس كده رحلة أخرى مع نجيب انتهت، والرحلة القادمة مع إعادة قراءة ايضًا مع سعيد مهران في اللص والكلاب. 7/55
أسجّل بدايةً أنّ هذه هي تجربتي الأولى مع الكتب الصوتية. كانت جيّدة وممتعة و... غريبة! أظنّها تستحقّ التكرار حين يتعلّق الأمر بالروايات أو الكتب "الخفيفة". غير أنّي لا أظنّها مجدية مع الكتب الفكرية الجادّة أو العميقة، إلا ما كان منها إعادةً لما سبقت قراءته. أعود إلى الرواية. ما الذي أراده "محفوظ" من هذا العمل؟ هل أراد نقاش الدين والعلم والتدافع بينهما؟ فلمَ أدخلنا في عالم الخلق؟ كان يمكنه الولوج إلى هذا الموضوع الشائك دون المساس بالذات الإلهية الأقدس والأجلّ في قلب كلّ مؤمن. وكان يمكنه أن لا يفرض أحداثًا وزوايا مفتعلة على أحداثٍ هي الأكثر رسوخًا في التاريخ الديني على طوله. بل إنّ هذه الإضافات كتعلّم "جبل" السحر والحيل على يدّ حميه كمثالٍ تكرّر مع شخصيات الرواية (الأنبياء) بدت عبثية أو استفزازية. كان الحديث سيبدو أكثر جاذبيةً ومصداقيةً وعُمقًا لو طرحه "نجيب محفوظ" مستخدمًا الواقع وشخوصه كعادته في رواياته الأخرى.
هل أراد كتابة "سِفره" الخاص عن قصّة الخلق؟ وهل أراد منافسة رواية إلهيةً مروية وراسخة؟ بعيدًا عن حقّه في ذلك، فإنّ في الأمر إشكالًا أدبيًا تقنيًا.فهل تصلح "قصّة الخلق" موضوعًا لرواية أو محاولة جديدة للقصّ؟ أليست قصّةً "محروقة" الأحداث، معلومة الشخوص، محدودة المجال الإبداعي بسبب غيبيتها من جهة وحقيقتها الدينية من جهةٍ أخرى! لا أعتقد بإمكانية إنتاج شخصيات روائية ناضجة من شخوصٍ معروفة ومشهورة! قد يمكن ذلك بتوظيف المعلوم لرواية جانبٍ غير معروف عن الشخصية؛ كأن تروي قصّة عاطفية عن قائدٍ عسكري معروف. أقول هذا لأنّي لم أجد نضجًا أدبيًا في خلق شخوص الرواية؛ وكان هناك استثمار لتخيلات القارئ ومعرفته بها من النصّ الديني . حتى أنّ الضعف في خلق الشخصيات لحق بشخصية "عرفة" الجديدة، التي أراد بها الإشارة إلى العلم الذي قتل –ومن غير عمد- الدين أو الإله! تعالى الله سبحانه. نجح محفوظ في "العبث" بصورة " الجبلاوي" لأنّها خفيّة متوارية وأبقاها كذلك. ولم يحالفه مثل هذا النجاح مع الشخصيات الحاضرة والظاهرة. نجح محفوظ بـ"استفزاز" مشاعر القارئ ولم ينجح باستفزاز تفكيره. نجح في تصوير المجمل التاريخي إشارةً إليه كسيرةٍ متكرّرة، وطبعًا بشريًا راسخًا، وإن فقدنا معه جودة حبكة التفاصيل وتطوّر شكلها عبر الزمن الذي تمتدّ عليه أحداث الرواية جيلاً فجيل.
لم أكن لأدري ما أكتب فيها كمراجعة, وقد قرأتها في وقتٍ غريب ! تتصارع فيه من حولي أشياء عدّة (داخلياً وخارجياً) 1-tهل ما أفعله بحياتي الآن يفيدني لاحقاً, وهل هذا ما أُريده ؟! 2-tأن تتصارع مع الحياة لتبقى على قيدها مابين انقطاع للمياه والكهرباء مدة تصل إلى 12 ساعة :/ 3-tأن تُصبح قراءاتك الحرَّة أفضل وأهم لديك من القراءة في مجال تخصّصك (ده إحنا كده هنضيع يا جدعااان !!!!)
لا أعلم لمَ وانا أقرأ لنجيب تذكّرت ماركيز !! , هل لأن الإثنين حازا نوبل ؟! هذا البارع الذي أتقن صنع هذه الرواية بذلك التماسك والتّتابع وعدم تكرار الأحداث, بل وأيضاً حاشاك الملل !
بدأت بقراءتها متخوفة من الجدل المثار حولها, وأن لا يُناسبني جوّها, لكنني على العكس تماماً استمتعت بها جداً.
لن اناقش الناحية الدينية التي أثيرت حولها, لكنني سأقول بأننا مُطالبون بأن نُوسّع مداركنا فعلاً, وان لا نتسرّع بإصدار الاحكام على الآخرين بدون ان نفهم ونستوعب !
لا أنكر أنني استنكرت التبجيل والتعظيم المُبالغ فيه لشخصية "الجبلاوي", ولكن لم اتصوره إلهاً أبداً, فكيف لإلهٍ ان يموت ؟!! من يقول بأنه تجسيد للدين والقيم والعادات والتقاليد لاقى استحساناً من قِبلي أكثر من الاول !
من وجهة نظري المتواضعة أنّها تُمثِّل تجسيداً لواقعنا الحالي بمصر ومعظم الشعوب العربية إن لم يكن كلها ! الصراع بين الرئيس والمرؤوس أو بين الحاكم والشعب, السلطة هنا مُمثّلة في (النّاظر والفتوات) والشعب ممثّل في (أهل الحارة) !!
في البداية كل شيء هادىء وحالم ومثالي ثمّ بعد ذلك يستأسد الحاكم (السلطة) وتُمارس جبروتها على الشعب المظلوم, الدي يصبر ويصبر وتُمارس عليه كلّ أنواع القهر, ثمّ لايجد هذا الشعب المسكين أي وسيلة للتّنفيس عن ما يُعانيه سوى الإنفجار (المُمثّل في الثورات التي اندلعت بمعظم بلدان الربيع العربي)
أسلوب نجيب يسترعي الإنتباه لبساطته وثقله بذات الوقت ! قرأت شهادة أحمد كمال أبو المجد, و دكتور سليم العوّا قبل وبعد الإنتهاء من القراءة.
خمسة نجوم مستحقة للرواية التي لم يفهم أحد حين نُشرت أنها رواية عن الظلم والجبروت، عن التمسك بالأمل، ولم يكن الاستعانة بقصص الرُّسل إلا ستارًا اختبأ وراءه محفوظ كي يستطيع قول ما يريد قوله دون أن يُسحق، كما يحدث دائمًا لمن يقول الحق في حارتنا الملعونة.