...
Show More
عاشور الناجي "نبيٌ آخر" من أنبياء الحارة،
سيرة عائلته المقدسة المدنسة هي سيرة الإنسان
وتأريخ لرحلته وصراعه الوجودي . .
أراه صاحب وحيٌ آخر اختلطت فيه الروح بالمادة والقوة بالضعف،
وانقطع وحيه وجاء خلفاؤه فمنهم من آمن ومنهم من كفر،
وما هي إلا آفة الانتكاسات التي تشوّه كلّ صفاء آتٍ من سماء الرحمة،
وما هي إلا الأمانة التي اشفقت منها السماوات والأرض وحملها أبناء عاشور بظلمهم وجهلهم،
عشرة أجيال من عائلة الناجي أرّخ فيها نجيب بن محفوظ للإنسان،
عشرة أجيال تنازعتهم القوّة تارة والضعف والخيبة تارات، التقوى والشهوة، الروح والمادة . . الظلم والعدل،
ورغم هذا لم تفتح لهم "التكية ذات الأناشيد الفارسية -أناشيد ترجمان الأسرار- أبوابها،
ولكنها قد تفتح لأولئك الذين يواجهون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة.
مزجت السيرة العاشورية بين الروح الأسطورية والواقعية، استمدت مادتها من الأنسان ذاته وتاريخه الواقعي والأسطوري والنفسي،
تتقاطع قصة عاشور مع قصص أنبياء التوراة - نوح وإبراهيم- في عدة نقاط،
كما تشبه حياة (جلال ذي الجلالة) أسطورة جلجامش كلاهما باحثٌ عن الخلود . .
الأنثى حاضرة في الرواية بصورٍ عديدة كأمّ إلهية مانحة للحياة والعطف -عزيزة-
وكأنثى مغوية ورمز للجانب السيء من الأم الحنونة - كزهيرة - . .
نداءات الحياة والموت والرغبة والقوة تتجاذب شخصيات الرواية بعنف،
العون فوق الطبيعي وتدخل النفحات الإلهية في تغيير مجرى الأحداث ومساعدة الخير لينتصر يظهر من حينٍ لآخر كمنقذ للإنسان الحائر
، روعة اختلاق الشخصيات أكثر ما يبهرني في الرواية خصوصا في نصفها الأخير وكأن الشخصيات تظهر من العدم ببراعة،
وبالأخص شخصية زهيرة -كأفعى وأنثى مغوية- التي هلك في سبيلها الرجال من أبناء الناجي وغيره.
جعل نجيب انتصار إرادة العدل في الأخير على أيدي الحرافيش أنفسهم
بعد أن قادهم عاشور -خاتم نبوة آل الناجي- لتدمير الفتوّة وعصابته؛
مستغنين عن فتوّة جديد، فأدركوا حقيقة قوتهم ووحدتهم.
صراحة النص فوق التقييم، أكثر من ستة أعمال سينيمائية استلهمت من ملحمة الحرافيش قصتها ورغم ذلك تظل روعة النص ككلّ لا يتجزأ فوق كل محاولة لعرضه وتمثيله.
رحم الله نجيب العجيب.