The Harafish

... Show More
"The Harafish begins with the tale of Ashur al-Nagi, a man who grows from humble beginnings to become a great leader, a legend among his people. Generation after generation, however, Ashur's descendants grow further from his legendary example. They lose touch with their origins as they amass and then squander large fortunes, marry prostitutes when they marry at all, and develop rivalries that end in death.

The community's upper class keeps a watchful eye on the descendants of al-Nagi for fear of losing their privileges, but they find no threat of another such as Ashur. Not, that is, until the al-Nagi who, like his noble ancestor, finds his power once again from among "The Harafish," or the common people. Through the strength of their numbers and their passion, the glory of the name of al-Nagi is restored.

416 pages, Paperback

First published January 1,1977

Places
egypt

About the author

... Show More
Naguib Mahfouz (Arabic author profile: نجيب محفوظ) was an Egyptian writer who won the 1988 Nobel Prize for Literature. He published over 50 novels, over 350 short stories, dozens of movie scripts, and five plays over a 70-year career. Many of his works have been made into Egyptian and foreign films.

Community Reviews

Rating(4 / 5.0, 96 votes)
5 stars
32(33%)
4 stars
29(30%)
3 stars
35(36%)
2 stars
0(0%)
1 stars
0(0%)
96 reviews All reviews
April 17,2025
... Show More
هامش أوليّ:
كيف نميّزُ بين الواقع الحقيقيّ والمستعار ؟ والمشاعر الصّادقة من الكاذبة ؟ طالما أنّ الأدب بالبال سيبقى التّمييز صعبًا، فالرّوائيون يبنون لنا منازل بالغيوم ، ويصنعون في القصص أبدًا مؤقتًا لا يزول ولا يدوم .
هامشٌ آخر :
هذه الشّبكة الرّوائية بتداخلاتها الزّمنيّة وتشبّع شخوصها وحبكتها المحكمة ورمزيتها المكثّفة لا تصدرُ إِلَّا عن روائي عبقريّ .
هامشٌ أخير :
نهاية الرّواية كانت متوقّعة ومفرطة المثاليّة ، ليس في ذلك أيّ خللٍ فنّي لكن على المستوى الشّخصيّ هذا النّوع غالبًا لا يعجبني .
April 17,2025
... Show More
قرآئتى للروآيه جاءت متأخره ! فعلا كل تأخيره وفيهـآ خيره !
لثالث مره بعد روايتى مائه عام من العزله وثلاثيه غرناطه تأسرنى روآيه بهذآ آلشكل ! فانا عاشق لمثل هذا النوع من الروايات!
فما بالك لو كاتبها هو نجيب محفوظ !

آزدأد عجز على عجزى عن آلكلآمـ آو وصف آلروآيه !
April 17,2025
... Show More
"لو أن شيئًا يمكن أن يدوم على حال فلِمَ تتعاقب الفصول؟"

"التاريخ يُعيد نفسه، مرة كمأساة وأخرى كمهزلة." (كارل ماركس).

• إذا سألوني لماذا تعشق سينما مارتن سكورسيزي، سأجيب لأنها بكل بساطة سينما بلا حبكة وبلا خيال وبلا بناء درامي جذاب يمتثل لعوامل جذب وحشد الجمهور في دور العرض من أجل المال.

• مدرسة سكورسيزي التي أحب أن أسميها Pure Cinema مدرسة فريدة جدًا تعتمد على الواقعية الشديدة، فهو كأنه يضع كاميرا في حياة شخص عادي، ويتركها ترصد جريان الزمن عليه، لا يعتمد على التشويق أو الالتواءات العنيفة أو التكثيف الدرامي، هو فقط يصور الحياة.

• ولكن عبقرية سكورسيزي تكمن في التفاصيل فمثلًا، إذا كانت القصة عن رجل عصابات أو Gangster فهو ينقل تفاصيل حياته بشكل كامل ويعرج على الأحداث الفاصلة فيها حتى أن المُشاهد العادي لَيشعر بالملل أو عدم الجدوى أو تمجيد الجريمة والمجرمين، إلا أنه ينكّل بأبطاله تنكيلًا يجعل المُتلقي يشفق على المجرم ويتمنى له الخلاص.

• ما علاقة سكورسيزي برواية الحرافيش؟

• من القصة الأولى وأنا أربط بين عبقرية نجيب محفوظ السردية وقدراته الأدبية وبين أفلام سكورسيزي كصورة لا أجد أفضل منها للتعبير عن الفكرة، ذلك لأنني اكتشفت للأسف أن الأعمال السينمائية والتليفزيونية المصرية قد ظلمت الرواية وبخستها حقها بشكل كبير.

• محفوظ سرد القصة ولم يستخدم أسلوب الخطابة ولم يبْن الحبكة بالشكل المثير الجاذب الذي يعتمد على إثارة القارئ ولم يتفلسف أو يتصنّع الحكمة، ومع ذلك فالحكمة والفلسفة والرسالة والمغزى ونشوة الفكر تقبع بين السطور، تقبع في المواقف، تتجسد في الشخصيات، ويا لها من طريقة للتنكيل بشخصياتك يا عم نجيب!

• لكن اعتبر نفسك محظوظًا إذا كانت طفولتك شبيهة بطفولتي وتربيت على فيلم المطارَد ورائعة نيازي مصطفى التوت والنبوت ورائعتي حسام الدين مصطفى الحرافيش و شهد الملكة مع قبسات من مسلسل السيرة العاشورية، لكن لم يسعفني القدر لمشاهدة فيلم أصدقاء الشيطان، ولا رائعة علي بدرخان الجوع الذي علِمت أنه أفضل ما تم اقتباسه عن ملحمة الحرافيش.

• ليس من الطبيعي ألا تتعلق ذاكرتك حتى الآن بشخصيات الملحمة ذات الجاذبية والحضور والعظمة سواء على جانبي الخير أو الشر، فقد تعلقت بسماحة الناجي وخضر الناجي والفللي (اسم اللّٰه عليه) وعاشور الناجي وضياء الناجي وعتريس وحسونة السبع وحليمة البركة.

• محفوظ هنا تخطى حدود العبقرية لأنه ضرب على جميع الأوتار وناقش كافة القضايا التي تخص الإنسان والحياة، وقدم رواية هي بكل تأكيد عمل ارتقى إلى مرتبة الكمال.

• دينية اجتماعية سياسية، جمعت في طياتها الفرح والحزن، الحب والبُغض، القوة والضعف، الإخلاص والخيانة، الحقد والحسد والرغبة والسلطة وشهوة المال، العائلة والحارة، قوة القدر الغالبة وجور الزمان، الانتقام والإيمان والجحود وحتى السعي للأبدية، أما أكثر ما أعجبني فإفساح ��جال وقصص كاملة للمرأة ووعيه غير الطبيعي بنفسيتها.

• علاقة السلطة بالشعب، علاقة الرجل بالمرأة، علاقة الصداقة، علاقة الأب وابنه، علاقة المرأة بالمرأة، علاقة الغني بالفقير، علاقة الأمومة، علاقة الإنسان بربه.

• من الأفكار الواردة في الرواية أن الحاكم كلما أهانه الأعداء الخارجيين انهال جم غضبه على الداخل، مع أن وظيفته خُلقت لخدمة الناس، فتونة لهم لا عليهم.

• فتوتنا المجنون جلال قد شيّد مئذنة لا يُعلم لها ارتفاع، كانت تمثّل قوة وجبروت وكبرياء فتونته، ألا يذكرنا ذلك بشيء؟

"لماذا نحب هذه الحياة ونحرص عليها هذا الحرص كله؟ لماذا نذعن لمشيئتها الحادة القاسية؟ ألا يحق لها بعد ذلك أن تسلّط علينا دود أرضها؟"

"الانتظار محنة، في الانتظار تتمزق أعضاء الأنفس، في الانتظار يموت الزمن وهو يعي موته، والمستقبل يرتكز على مقدمات واضحة ولكنه يحتمل نهايات متناقضة، فلْيَعُب كل ملهوف من قدح القلق ما شاء."

"الحزن كالوباء يُوجب العزلة."

"ليس أتعس من الحظ السيء إلا الرضا به."

"من قال أن الزواج نصف الدين؟ ألا إنه نصف الكفر."

"عاشر الزمن وجهًا لوجه بلا شريك، بلا ملهاة ولا مخدر، واجهه في جموده وتوقفه وثقله، إنه شيء عنيد ثابت كثيف، وهو الذي يتحرك في ثناياه كما يتحرك النائم في كابوس، إنه جدار غليظ مرهق متجهم، غير محتمَل إذا انفرد بمنعزِل عن الناس والعمل، كأننا لا نعمل ولا نصادق ولا نحب ولا نلهو إلا فرارًا من الزمن، الشكوى من قصره ومروره أرحم من الشكوى من توقفه."

"ماذا يمكن أن يقف في وجه الكثرة إذا اندفعت؟"

"واستقرت الإهانة في الأعماق، فهي لا تُهضم ولا إلى الخارج تُقذف."

"- قال بثبات: لا يحيا إلا الأحياء.
= نحن أحياء ولكن لا حياة لنا."

"وانتفض ناهضًا ثملًا بالإلهام والقدرة فقال له قلبه لا تجزع فقد ينفتح الباب ذات يوم تحية لمن يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة."

• بعد الانتهاء من الرواية جلست أتأمل حالتي، فأدركت أنها من النوع الذي لا يصير الإنسان بعده كما كان قبله، بل يُثملك النضج حتى لتحسب أنك عشت طويلًا وجربت كل شيء، وفهمت الحياة.
April 17,2025
... Show More
أول ما انتهيت من هذه الملحمة وجدتني أردد عبارة:
"ما هذا الجمال؟! أنا منبهرة أنا ضييعت علي نفسي كل هذا الجمال والاستمتاع بسبب تأجيل القراءة للنجيب حتى الآن!!"

هكذا كانت البداية:
"في ظلمة الفجر العاشقة، في الممر العابر بين الموت والحياة، على مرأى من النجوم الساهرة، على مسمع من الأناشيد البهيجة الغامضة، طٌرحت مناجاة متجسدة للمعاناة والمسرات الموعودة لحارتنا"

بداية آسرة، لغة قوية خلابة غير طبيعية، أسلوب السرد سلس سلاسة انسياب المياه، أحداث مترابطة بالرغم من تعدد الشخصيات بشكل غير معهود، ثم الشخصيات ويا لها من شخصيات مرسومة ببراعة منقطعة النظير
April 17,2025
... Show More

يا لها من مصادفة عظيمة أن يسكن في حارة عريقة ويقرأ في نفس الوقت عملًا أدبيًا بقلم أعظم من كتب عن الحارة المصرية، كانت ليلة صيف استثنائية، خالية من الرطوبة الخانقة والبعوض المزعج، وكان مستلقيًا على الأرض في شرفة بيتهم، يتأمل نجوم السماء، ويستنشق عبير زهور الرّيحان المزيّنة لجدران الشرفة والتي ورث حبها عن أبيه، بين يديه رواية بدأ في رحلته معها منذ يومين بينما يجلس على المقهى الساكن بجوار منزلهم، سلبتْ عقله وأفقدته رشده من فرط حلاوتها. لقد قطع شوطًا كبيرًا في الرواية، انتهى من قرابة نصفها، سحرٌ غريبٌ يدفعه لالتهام صفحاتها تباعًا، كأنه يعيش بداخلها، كأنها تحكي قصته، تحكي تاريخه وتاريخ أهله وتاريخ حارته، حارته التي عشق ترابها صغيرًا حينما كان يتصور أن العالم يقتصر عليها فقط. لم تفارقه الرواية حتى في أحلامه، واختلطت عليه الحقيقة بالخيال مرارًا من فرط اندماجه معها. نهض من نومه على الأرض ليكمل نومه على سريره، وفي أحضانه كنزه الثمين، ملحمة الحرافيش

مسرحٌ خالي إلا من بعض عُمال النظافة، يراقبهم في صمت، مرت دقائق لم يشعروا خلالها بوجوده، انتهوا من أعمالهم وبقى واحدٌ منهم فقط في المكان، يبدو كهلًا يشرف عليهم، ربما هو رئيسهم في العمل. المسرح شبه مظلم، لا تضيئه سوى كشافات صغيرة تسكن السقف الشديد الارتفاع فتضفي على المكان رهبةً مشوبة بالهدوء. يتقدم هابطًا درجات السلم الفاصل بين صفوف المقاعد، تتضح هيئة الكهل شيئًا فشيئًا، هيئته تتبدل، تتغير، جلسته على حافة المسرح بعباءته الفضفاضة والعمامة الملفوفة على رأسه أطاحت بفرضية أن يكون عاملًا للنظافة بحق، ولكن كيف تغيرت هيئته هكذا؟، لحظة.. يبدو أن المكان نفسه تغير، الإضاءة تغيرت ألوانها وتعززت بكشافات أخرى موجهة على الكهل لتضفي عليه مزيدًا من الغموض والرهبة، بإرادةٍ مسلوبة وقلبٍ خافق يهبط الدرجات بحذر، بينما الكهل جالس كما هو، مسربلٌ بهالة من الضوء تُخفي ملامحه، ممسكًا بعُكازه، ناظرًا لأسفل.. ويجلس صاحبنا على أحد المقاعد البعيدة نسبيًا عن المسرح خشية الرجل الغامض، لحظات من السكون، ثم ..

إضاءة كاملة على المسرح، مجسمات ضخمة ظهرت من العدم لبيوت بسيطة ذات محلاتٍ مختلفة بأدوارها السُفلى وعششٍ للطيور والحمام على سطوحها، ربّاه! ما أبدع هذ التصميم، يكاد يكون حقيقي، أهو حقيقي فعلًا؟. ( نعم.. حقيقي)، جاء الرد من الكهل الذي نهض من مكانه متوجهًا نحو الجالس وحده بين الصفوف، بخطوات واثقة وئيدة يخترق المقاعد ليصل إلى المتفرج المرتبك، يجلس بجواره، عمامته ملتفة على وجهه كاللثام فتخفي ملامحه، يجلس الكهل بجواره دون أن ينبث ببنت شفة، وكأنه لم ينطق بردّه منذ لحظات، يهمّ المتفرج بالسؤال فيعجز لسانه عن الكلام، بعد لحظات من تأمل الكائن الغامض يلتفت من جديد نحو خشبة المسرح، يتحدث بصوت مسموع: ( حسنًا، لنشاهد المسرحية الغريبة هذه).. ونجح مقصده، أثار اهتمام الجالس بجواره للرد عليه، تبدأ رأس الكهل بالتحرك بمنتهى البطء نحوه، حتى تلتقي العين بالعين، وكأنه يبتسم من خلف اللثام، يرد: ليست مسرحية، ليست تمثيلًا، إنها الحقيقة.

يتلاشي وجود الكهل من أمامه ويتحول لذرات من تراب تتراقص على خلفيةٍ من ضوءٍ ناصع البياض، يغطّي عينيه بيديه حجبًا للضوء الساطع، لحظات ثم يُنزل كفيه عن عينيه، يفتحهما برفق، تتحول نظراته من نظرات الخوف والرهبة إلى نظرات الدهشة، يهمّ بالنهوض من مكانه ليتأمل ما حوله، ما هذا المكان؟، أهي حارته؟، لا ليست حارته، هؤلاء أناسٌ لا يعرفهم ولم يقابلهم من قبل، وبينما يتأمل البيوت أمامه، ينتبه لصبي القهوجي يمرق من أمامه ممسكًا بصينية عليها عدد مهول من أكواب الشاي وفناجين القهوة الفارغة، يتجاوزه مسرعًا في طريقه إلى داخل القهوة، إنه يجلس في قهوة!، كيف؟، متى أتى إلى هنا، وأين ذهب الكهل الغامض والمسرح الغريب؟، يهمّ بالمشي فينتبه للعباءة التي يرتديها والعمامة الملتفة على رأسه!، تجاوز دهشته وارتباكه وتلفّت حوله بحثًا عن وجوهٍ مألوفة، ولكنه عثر على شيء آخر، صوت مألوف، ترانيم عجيبة تهبط على أذنيه من مكان مجهول، ترانيم غير مفهومة ولكنه سمعها من قبل، مهلًا، إنه يعرف هذا المكان..

فور تعرفه على المكان، تلاشت الأصوات، وامتزجت الأوجه من حوله، وحلّ الضوء الساطع أمامه من جديد، لينقشع بعد لحظات ويبصر نفسه واقفًا وسط الحارة، حوله محلات وبيوت ومقهى يشبه المقهى الذي كان يجلس عليه منذ دقائق، ينتبه إلى ثبات الناس من حوله كالتماثيل، وهو وحده النابض بالحركة يتنقل من مكان لمكان، من محل لمحل، هنا العطار، وهناك الفتوة يجلس في أحد أركان المقهى متوسطًا حرافيشه وأعوانه، وهذا بيت شيخ الحارة، أما هذا الطويل الفارع، الجالس على الكارو الثابتة في مكانها، فهو عاشور الناجي!. كيف يعرف كل هؤلاء؟، يمسك برأسه دفعًا للتهيؤات التي تسيطر على عقله، وفجأةً، تنبض الحياة من حوله، وتتحرك الأجساد التي كانت كالتماثيل، يستمر الفتوة في ضحكه مع من حوله، وتمر من أمامه عربة عاشور الناجي وكأنه غير مرئيّ، لا أحد يراه بينما يراهم جميعًا، لا أحد يدرك أنهم كانوا ثابتين منذ لحظات ثم تحركوا فجأة كالمبعوثين من الموت سواه، يبتسم، يضحك، يحب اللعبة.

"هل أدركت أنها ليست تمثيلية؟ أنها ليست مسرحية؟، وأنها حياة وُهبت إليك لتعيشها؟."
ها هو المسرح من جديد، ها هو الكهل الغامض بعكازه العتيق يجلس بجواره مرة أخرى ويحدثه، ها هو يعود من المجهول إلى المجهول ، ولكن هذه المرة ليس خائفًا، بل متشوقًا، وعلى أحرّ من الجمر يتلهف ليسمع تفاصيل الحكاية، يحتمي وراء صمته وينظر للمسرح، للحارة المتجسدة أمامه من جديد، بكامل شخصياتها التي رآها وسار بجوارها منذ لحظات

نعم أيها المتفرج، إنها مسرحية كبرى، ملحمة عبقرية ذات أماكن ثابتة تتوالى عليها الأجيال تباعًا، تبدأ من عهد عاشور الناجي، ثم تنتهي عند عاشور الناجي الآخر، الحفيد بن الأحفاد. تتعاقب الأزمنة، تتعاقب الأجيال على خشبة مسرح الحياة، والمناصب والأدوار ثابته، الناس فقط هم من يتغيرون. عالمٌ يتكون من حارة يقودها فتوة، وسيلة النقل الرئيسية بها هي عربة الكارو، تجارتها في الغلال والحبوب، بها حانة للخمر، وبها عاشقات للهوى والغواية، وبها رجال من أصلاب الرجال، دستورهم العدل، وقانون حياتهم القوة لمن غلب، وما دايم إلا وجه الله يا خلق الله.

كم يحتاج الإنسان من عمر كي يلاقي أكبر قدر ممكن من البشر مختلفي الأنفس والأهواء؟، خمسون عامًا؟، ستون؟، مائة؟. إجابات منطقية بلا جدال، ولكن ماذا إن أخبرتك أن بإمكانك أن تعيش برفقة أغلب أنواع النفوس البشرية خلال أيام معدودات؟، جنون أليس كذلك؟، لا ليس جنونًا، ويبدو يا سيدي أن زمن المعجزات لم ينتهي بعد.


ينقطع صوت الرواي المنبعث من مكان مجهول، تدور أحداث المسرحية، الفتوة يبدأ عهد فتونته بمعركة طاحنة، ثم يحكم الحارة لزمن معلوم، ثم ينتهي عهد فتونته بمعركة أخرى قد تنتهي بموته أو سجنه أو هروبه، وهكذا دواليك.. وعاشور الناجي يتزوج، وينجب جيلًا يتوارث عنه الفتونة، الذكور يتزوجون لينجبوا إناثًا ومزيد من الذكور الآخرين ثم يأتي الأحفاد الذكور فينضجون ويصيرون رجالًا أشداء يتوارثون عهد جدهم العظيم، وأما الأحفاد الإناث فتتزوجن من رجال أغراب لينجبوا مزيدًا من الإناث والذكور ليعيدوا نفس دورة الحياة، وبينما تمضي الحياة تتوالى ذرية عاشور الناجي جيلًا بعد جيل، تضرب لنا أمثال الحب والحكمة من الحياة، وتدور الصراعات وتتوالى الصدمات بلا مقدمات، وتتوزع الشخصيات بتتابع محسوب ونسق مدروس، في إيقاع لاهث يخفق القلب من شدة إثارته، لتخرج في النهاية ملحمة متكاملة تتصارع فيها كافة أنواع النفوس، قوة وضعف، جوع وشبع، طمع ورضا، كبرياء وخنوع، تقوى وفجور، قتل ثم هروب، ورجوع بعد غياب، وترانيم تتردد نغماتها الساحرة في الأجواء، تدور المسرحية وتدور، والفتوة يتبعه فتوة، وشيخ الحارة يتبعه آخر، وأبطال الملحمة هم ذرية عاشور الناجي، اسم الله عليه.. اسم الله عليه.

انطفأت إضاءة المسرح بعد ساعات، تمهيدًا للدخول في الفصل الأخير الخاتم للملحمة، يلتفت المشاهد للكهل فيجده قد اختفى، يكمل وحده مشاهدة المسرحية حتى النهاية. أُسدل ستار الختام، وانطفأت الأضواء، وانتهت الملحمة عند اللانهاية، وينهض المتفرج الوحيد للتصفيق، وبينما كانت يداه على وشك الالتقاء، يختفي المسرح وتختفي شخصياته من حوله من جديد، ليجد نفسه جالسًا على مقهى شعبي، وصوت تصفيقه كان جرسًا لاستدعاء صبي القهوجي، وينما يتأمل الناس من حوله متفاجئًا، يجد بينهم وجوهًا مألوفة، ثم يلتفت لصبي القهوجي يحدثه: أوامرك يا باشا، أخيرًا اتحركت!، ها ها، افتكرتك ميت والله، ها ها، بعد الشر عليك طبعًا انا بضحّك معاك، القصد أنك بقالك ساعات قاعد نفس القعدة دي لا بتتحرك ولا بتنطق، وده مش أول يوم، أصل محسوبك حدِق برضو وواخد باله منك يا سيد الناس وعارف أنك بتيجي القهوة كل يوم تقعد على نفس الترابيزة وتشرب نفس المشاريب وتقعد نفس عدد الساعات ومعاك نفس الكتاب ده، شاي خفيف سكر برة مش كدة؟ ثواني وهيكون عندك..

ينهي القهوجي كلامه موجهًا التحية للشاب، ينتبه الشاب في نهاية حديثه إلى الرواية القابعة بين يديه، يبصر صفحة مفتوحة على سطرين من الترانيم الغامضة، يليهم بياضٌ ناصع يشير لنهاية الرواية ونهاية الرحلة، يغلق الرواية ويتأمل حروف غلافها البارزة، (الحرافيش)، يُقبّلها، يحتضنها كحبيبة طال الاشتياق إليها، وينادي على الصبي ليجلب له مشروب العنَاب المحبب إليه بدلًا من الشاي، كان العناب هو المشروب الرسمي لهذه الحقبة في حارته في عهد السبيعنيات الجميل، يُمني الشاب نفسه بصوت عالي: ليتني ألتقي بك يا سيد نجيب، ليتني ألقاك لأحكي لك عما فعلته بي بملحمتك هذه..

وبينما يتم جملته إذا بشخص كان يجلس على بُعد منضدتين منه منذ فترة لم ينتبه إليه من قبل، يغلق الجريدة الممسك بها ويطويها تحت ذراعه وينهض، لتصدم الشاب الدهشة، إنه نجيب محفوظ!، يرتبك من فرط انفعاله وينهض من مكانه بينما تسقط الرواية على الأرض، يفرك عينيه ويهبط على قدميه ليأخذ الرواية، وبينما ينهض يجد أن الرجل قد رحل وابتعد مسافة خطوات عن المقهى، لا يبدو منه سوى ظهره، يفرك الشاب عينيه مرارًا وهو واقف بينما يردد في سره: رباه، لا بد أنني أهذي، لا بد أنني مازلت أهذي.. رباه ماذا فعلتَ بي يا محفوظ؟

وظل مكانه، مراقبًا الرجل المبتعد عن المقهى بخطوات وثيرة، حتى اختفى..

تمت.

April 17,2025
... Show More
من عدة سنوات بينما كنت أُنهى أوراق تجنيدي.. قال لي احد العساكر عليك أن تختم الورق من (شيخ الحارة)
فغرت فاهي!.. لم أظن أن هذه المهنة ما زالت موجودة
ثم اكتشفت أن شيخ الحارة هو شاب مثلي يرتدي قميص وبنطال ولا يحمل من الوظيفة غير المسمى
هذه التوطئة السابقة أقولها لأنني كدت أن أُطلق على العم نجيب (شيخ حارة الرواية المصرية)
لكني لم أجد لهذه الوظيفة رونق في قديم الزمان أو جديده.. حوالي 7 شيوخ للحارة في تلك الرواية.. لا تجد منهم رجل صالح.. وحديثا.. الأمر أصبح في غاية الطرافة كما ذكرت
ربما تكون يا نجيب (عاشور الرواية المصرية)
هذا أجمل بك وأليق
عاشور الذي تمنى حياة عادية.. ثم حملته أحداثها ليسلك درب الفتونة
ثم مادت الأرض بذريته رويدا رويدا
حتى أصبحت قصصهم ملعونة.. إلى أن انتشلها عاشور مرة أخرى
عاشور الأول.. وعاشور الأخير.. وعاشور كل عصر.. الباحث عن العدل.. والواقف في وجه الظلم
المُدجج بالحكمة والإيمان قبل القوة.. المؤمن بالناس وبقدراتهم وبالخير الذي يحملونه
وكذلك بالشر الذي قد يصل إلى أقصى درجات البهيمية.. ويتعداها!
.
.
ستمائة صفة من الحكي المتواصل الجميل.. وملحمة الحرافيش تستحق فعلا أن تكون تحفة العم نجيب الخالدة!
April 17,2025
... Show More
الاشرار معلمون قساه وصادقون
ان الناس لا يرونه بالعين التى يرى بها نفسه
تعلم عاشور ان درويش ديدان ليس الشرير الوحيد فى الحياه
April 17,2025
... Show More
"من يحمل الماضي تتعثر خطاه.”

نجيب محفوظ.
Leave a Review
You must be logged in to rate and post a review. Register an account to get started.