كتابة متدفقة مليئة بالافكار والتأملات معبرة عن عصرها 1950 وان كانت أفكار ميلر روحانية بشكل مبالغ فيه وهو ما يمكن تفسيره بمعاصرته للحروب العالمية والقنابل النووية
نقرأ في المقام اﻷول للأسباب التالية: أولا لكي نهرب من أنفسنا، ثانيا لكي نتسلح ضد اﻷخطار الحقيقية أو الوهمية ثالثا لكي نجاري جيراننا أو لنثير إعجابهم.. اﻷمر واحد، رابعا لكي نستمتع .. أي نرتقي نحو نشاط أعظم وأسمى وكيان أغنى وهناك دائماً كان هناك حفنة من اﻷفراد النادرين لم تعد لهم حاجة للكتب... هؤلاء لا يعتبرون العالم محنة أو مشكلة بل امتيازا .. لا يسعون لملء أنفسهم بالمعرفة بل بالحكمة
الكتب في حياتي أدب/ نقد/ سيرة ذاتية لـ هنري ميللر (روائي ورسام أمريكي 1891- 1980) ترجمة: أسامة منزلجي طبعة دار المدي الطبعة الأولي 2012
محمد شكري هو الذي دلني علي هنري ميللر. ذكره مرات في كتاباته. ربما في كتابه عن جان جينيه، أو كتابه عن بول بولز. أما هذا الكتاب تحديدا فوقع تحت يدي مصادفة. وعلق بذهني لتشابه، في الموضوع، بينه وبين عصير الكتب لـ علاء الديب. أقول التشابه في الموضوع فقط. لأن تناول علاء الديب للموضوع/ للكتب تناول مجرد تماما. أما ميللر فيتناول الكتب بطريقة حميمية وحياتية: سيرته مع الكتب. الكتب في حياته. يقول: "إن الهدف من هذا الكتاب، الذي سيتألف من أجزاء عدة علي امتداد السنوات القليلة التالية، هو أن أحكي قصة حياتي. إنه يحكي عن الكتب كتجربة حيوية، وليس دراسة نقدية ولا يحتوي برنامجا لتثقيف النفس." ولكن ميللر لم يمنحنا سوي هذا الجزء فقط.
وقبل البدء يورد المؤلف ملاحظة عن ظروف إعادة طباعة الكتاب، وفيها يقول: "لقد لاحظت مؤخرا أن الشبان يتحولون أكثر فأكثر إلي الكتب الميتافيزيقية، والغامضة والصوفية بالإضافة إلي الإباحية والبذيئة. في هذا الكتاب أعتقد أنهم سيجدون أجوبة وإشارات سوف توجههم إلي ذلك النوع من الأدب المفيد والدائم."
ويفصح بعد ذلك صراحة عن دافعه الرئيس، للقيام بهذه المهمة: "هو أننا في العموم لا نعلم إلا القليل عن التأثيرات التي تشكل حياة الكاتب وعمله. والناقد بتباهيه النفاج وتكبره شوه الصورة الحقيقية حتي لم يعد يتعرف عليها أحد."
يتألف الكتاب من أربعة عشر فصلا، غير المقدمة. ويشتمل علي ملاحق ثلاث بالإضافة للهوامش.
في الفصل الأول يطرح ميللر سؤالا حيويا للغاية: ما الذي يجعل كتابا ما يبقي حيا؟ يجيب ببساطة شديدة:" الكتاب يبقي حيا عبر التوصية المحبة التي يقدمها قارئ إلي قارئ آخر. إن الكتب هي أحد الأشياء التي يدللها البشر بعمق. وكلما كان الإنسان راقيا يتشارك بشكل أسهل بمقتنياته العزيزة. وكتاب يتمدد بتكاسل علي رف هو ذخيرة ضائعة سدي. وكالمال، يجب جعل الكتب في حالة تداول مستمر. استعر وأعر إلي أقصي مدي- كتبا ومالا معا! ولا سيما الكتب، لأن قيمة الكتب أعلي بما لا يقاس من قيمة المال. فالكتاب ليس فقط صديقا، بل يصنع لك أصدقاء. وعندما تمتلك كتابا ذا عقل وروح، تغتني. ولكن عندما تعطيه لشخص آخر تغتني ثلاثة أضعاف." وفي موضع آخر يزيد: "والكتاب من دون قارئ متحمس، الذي هو في الحقيقة نظير المؤلف وغالبا منافسه الأشد سرية، يموت."
وقبل أن يخوض بنا في غمار كتبه، وكتابه المفضلون، يقدم لنا نصيحة مجانية: "اقرأ أقل ما يمكن، وليس أكثر ما يمكن. أنا أعلم الآن أني لم أحتج إلي قراءة حتي عشر ما قرأت. إن أصعب شيء في الحياة هو أن يتعلم المرء أن يفعل حصرا ما هو في صالحه، ما هو حيوي حصرا."و يشير إلي ما يتوجب علي القارئ فعله: "يجب أن يتعامل مع قراءاته كما يتعامل مع طعامه وتمريناته الرياضية. والقارئ الجيد سوف ينجذب إلي الكتب الجيدة."
ما يفعله هنري ميللر في كتابه هو صياغة شيقة ومرحة لحياة القراء والكتاب علي السواء. ليست حياته فحسب. خذ هذه مثلا: ".. وحالما يموت الكاتب تصبح حياته فجأة مركز اهتمامنا الهائل". الآن تذكرت كيف التهمت كل كتابات إبراهيم أصلان بعد وفاته. وقرأت عنه كتابا: (خلوة الكاتب النبيل لـ شعبان يوسف). رغم أني لم أقرأ له سطرا واحدا وهو علي قيد الحياة. وكانت كتبه أمامي طوال الوقت. وحصل نفس الشيء أيضا مع أعمال خوسيه ساراماجو، الذي لم أسمع به إلا يوم وفاته.
وفي الفصل الثاني يستعرض ميللر قراءاته الأولي، وحياته لفترة مع شخوصها، وأبطالها. ويصرح بأن الكتب التي يتوق إلي قراءتها من جديد هي تلك الكتب التي قرأها في طفولته، وفي عهد شبابه الأول. ويذكر بعض أسماء من قرأ لهم: هنتي، رايدر هاغارد، ميري كوريلي، يوجين سو، مارك توين... ثم يتكلم في فصل منفرد عن بليز سندرار وإعجابه الشديد بشخصه وذكرياته معه ومع كتبه. وفي فصل آخر عن رايدر هاغرد وروايته (هي) التي يصفها بالكتاب المذهل. وجان جيونو وكيف صادف أعماله في أحد محال بيع الكتب وكان أول كتاب قرأه له: (مسرة شهوة الإنسان)،أما (جان الأزرق) فقرأه علي متن سفينة متوجهة إلي اليونان. ويذكر مراسلاته المتقطعة مع جان جيونو..
وفي فصل آخر يتكلم ميللر عن الـ (مؤثرات) فيقول: "الناس دائما يتساءلون ماذا كانت تأثيرات مؤلف ما، وعلي نمط أي كاتب أو كتاب شكل نفسه، ومن قدم له الإلهام الأقوي، وأيهم أثر في أسلوبه في الكتابة أكثر من غيره.." لذا فهو يضيف لنا ملحقا بآخر الكتاب، يذكر فيه الكتب الأكثر تأثيرا بالنسبة له، وما دفعه لوضع مثل هذه اللائحة إلا أنه لم ير أحد من كتابه المفضلين فعل ذلك، فمثلا كان مستعدا لإعطاء أي شيء مقابل أن يعرف عناوين الكتب التي التهمها دوستويفسكي أو رامبو. وهو بهذا يعطي مسار تحدر نسبه. ومن الكتب المذكورة بلائحته: مؤلفات الكتاب المسرحيين الإغريق القدامي/ ألف ليلة وليلة/ سيرافيتا، لوي لامبير لـ هونوريه دو بلزاك/ الديكاميرون لـ جيوفاني بوكاتشيو/ مرتفعات ويذرينغ لـ إميلي برونتي/ أليس في بلاد العجائب لـ لويس كارول/ المؤلفات الكاملة لـ بليز سندرار/ روبنسن كروزو لـ دانييل ديفو/ أعمال دوستويفسكي عموما/ الفرسان الثلاثة لـ ألسكندر دوما/ رجال نموذجيون لـ رالف والدو إمرسن/ دوستويفسكي لـ أندريه جيد/ أعمال كنوت هامسن عموما/ سيد هارتا لـ هرمن هسه/ البؤساء لـ فيكتور هوجو/ يوليسيس لـ جيمس جويس/ طاو تيه تشينغ لـ لاو- تسه/ أعمال فريدريك نيتشه عموما/ ذكري الأيام الماضية لـ مارسيل بروست/ إيفانو لـ سير والتر سكوت/ السيرة الذاتية لـ هربرت سبنسر/ رسائل إلي ثيو لـ فان جوخ/ أوراق العشب لـ والت ويتمن...
وفي واحد من أشد فصول الكتاب إمتاعا، يكلمنا ميللر عن (الكتب الحية). يقول: "ومقابلة رجل يمكن أن نطلق عليه لقب كتاب حي معناه أن نصل إلي منبع الخليقة ذاته. إنه يجعلنا شهداء علي النار الملتهمة التي تضطرم في أرجاء الكون كله ولا تمدنا فقط بالدفء والضوء، بل ببصيرة دائمة، وقوة دائمة، وشجاعة دائمة." ويذكر من الكتب الحية: (لو جاكوبس)، وهو مهرج أمريكي من أصل ألماني ومؤسس لكثير من تقنيات المهرجين التي أضحت معروفة في العالم كالأنف الكبير وعربة المهرج. وكان أول من ظهرت صورته علي طابع برد أمريكي. ويذكر ميللر سبب كلامه عن هذا الرجل المجهول، فيقول: لأنه علمني، من بين أشياء أخري، أن أضحك علي المصيبة. ويذكر كتابا حيا آخر وهو (جون كوبر بيرس) مؤلف ومحاضر شهير، قابله ميللر في نيويورك، بعد سنوات من اختفاء لو جاكوبس من حياته.
ويفرد ميللر فصلا للحديث عن كريشنامورتي، الكاتب والفيلسوف الهندي (1895- 1986). أما الفصل الثاني عشر وهو رسالة مطولة جدا لصديقه القارئ بيير ليسيدين، فينقل له فيها أفكاره، ولا سيما التي لم تنضج بعد، علي حد تعبير ميللر، ويتكلم عن ويتمن ودوستويفسكي مقارنا بينهما. وفي الفصل الثالث عشر، وهو (القراءة في المرحاض) الذي يتناوله ميللر بتهكم وسخرية شديدين، فيه يعرض الظاهرة بكل جوانبها، ولا يترك القارئ المرحاضي هذا الفصل إلا وهو مقتنع تماما بأن المرحاض مكان للتبرز فقط. وأخيرا يكلمنا ميللر عن المسرح: المسرحيات التي شاهدها، والتي قرأها، وأبطالها: نساء، ورجالا، ورفاقه الذين صاحبوه لمشاهدتها.
وفي دكان أبيه كانت له حكايات عرج عليها، بحنين بالغ. وأبدي افتتانه في غير موضع بـ صلاح الدين الأيوبي، ورغبته العارمة في القراءة عن شخصه وسيرته. وتمنيه بوجود عظيم مثله في عالمنا الآن..
ويبدو أن القراءة فتنة، وغواية لا مفر لمن وقع في شركها، فميللر الذي قرأ، كما ذكر، خمسة ألاف كتاب، يورد لنا ملحقا بالكتب التي ينوي قراءتها مستقبلا، نورد منها: فلاح باريس لـ لويس أراغون/ مذكرات نابليون بونابارت/ مذكرات جاكومو كازانوفا/ أيام سدوم المئة والعشرون لـ مركيز دو ساد/ أوراق بيكويك لـ تشارلز ديكنز/ الصحراء العربية لـ تشارلز داوتي/ عمال البحر لـ فيكتور هوجو/ التربية العاطفية لـ غوستاف فلوبير/ الكأس الذهبية لـ هنري جيمس/ إميل لـ جان جاك روسو/ صومعة بارما لـ ستاندال....
مقتبسات: - إن الرغبة في قراءة كتاب غالبا ما تحفزها حادثة غير متوقعة علي الإطلاق. - إن المرء يتذكر علي الفور الشخصيات العظمي في الخرافة، والأسطورة والتاريخ التي حاولت أن تجري تغييرا ثوريا علي المجتمع ثم تغير مصير الإنسان: لوسيفر، بروميثيوس، أخناتون، أشوكا، يسوع، محمد، نابليون... - .. والرجال الذين يحملون هم بلدهم في قلوبهم أكثر من غيرهم، هم الذين تشوه سمعتهم، وينعتون بالخونة، والمرتدون، أو بما هو أسوأ. - فئات القراء الأربع التي وضعها كولريدج: 1- الإسفنج: الذين يستوعبون كل ما يقرؤون، ويعيدونه وهو في حالته نفسها تقريبا، ولكن أقذر قليلا. 2- الساعات الرملية: الذين لا يحتفظون بأي شيء، ويكتفون بالمرور علي الكتب تزجية للوقت. 3- المتوترون: وهم الذين لا يحتفظون إلا ببقايا مما قرؤوا. 4- مالكو الجواهر: وهم نادرون وقيمون، يستفيدون مما يقرؤون، ويمكنون الآخرين من الاستفادة أيضا منه. - العبقرية هي المقدرة علي أن تتحرر من الظروف الواقع في شركها، القدرة علي التحرر من الدائرة الشريرة... - لا يهم من يتكلم، المهم يكمن في المغزي الكامل لما قيل. (كريشنامورتي) - إن إحدي فضائل الأشخاص الذين يلهموننا أنهم دائما يتركون الطريق مفتوحة. إنهم يوحون، ويثيرون، ويشيرون. - إن في الحياة الخارجية لأشد الأفراد تواضعا دراما لا تنضب. ومن هذا الخزان الذي لا ينضب يستمد الكاتب مادته الأولي. - الرواية المستندة إلي السيرة الذاتية، التي تنبأ إمرسن بأنها سوف تزداد أهمية مع مرور الوقت، حلت محل الإعترافات. هذا الجنس من الأدب ليس مزيجا من الحقيقة والخيال، بل هو مد وتعميق للحقيقة. إنه أشد أصالة وصدقا من المذكرات. ليست الحقيقة المهلهلة للوقائع هي ما يقدم مؤلفو هذه الروايات المستندة إلي السيرة الذاتية بل حقيقة الانفعال، والتأمل، والفهم؛ الحقيقة المهضومة والمتمثلة. والشخص الذي يكشف مكنونات نفسه يفعل ذلك علي المستويات كلها دفعة واحدة."
read about one third of it in an hour and let me just say it wasn't the most enjoyable hour of my life, I can't even believe I made it this far : in his book, Henry discusses that certain books are made for certain people and I can easily say this book wasn't made for me. not that it's bad or unreadable, it's just made by a guy from an entirely different background (hence he, himself, described us, Arabs, as foreigners) and his "thoughtful" reviews are about even more unfamiliar books and writers whom I don't know 45 of. though I must say I LOVED the lines when he took the time to talk about books (and encyclopedias) in general, I thought they were priceless.
"القراءة المبالغ فيها لا تجعلنا أذكياء، بعض الناس يبتلعون الكتب ، وهم يفعلون ذلك بدون فاصل للتفكير، وهذا الفاصل ضروري لكي يُهضم المقروء ويُبنى ويُبتنى ويُفهم، عند القراءة فإن المساهمة الشخصية ضرورية مثلما هو ضروري للنحلة العمل الداخلي والزمن لتحول رحيق الأزهار إلى عسل" .
ربما يمكنني القول بإيجاز أن فكرة الكتاب الرئيسية تدور حول هذا المعنى، ف"هنري ميللر" الذي قرأ آلاف الكتب وكتب عنها كما لم يكتب أحد قط هو نفسه الذي ينصح مرة بعد مرة أن تقرأ أقل وأقل وتفكر أكثر وأكثر، فالحياة بالنسبة له هي المعلم الحقيقي الذي يجب أن نتيح له فرصة إمدادنا بالتجارب والخبرات التي ننضج من خلالها وينضج فينا ما قرأناه في الكتب واستوعبناه. _ لو سألني أحد عن الكتاب بشكل عام فلن أنصحه به أبدا، ليس لأنه سيء، ولكن لأنه يحتاج كثيرا من الوقت والتأمل والتركيز والصبر للنفاذ إلى ملاحظاته شديدة الذكاء والنجاة من طوفان المعلومات والأسماء والأحداث المجهولة وغير المهمة بالنسبة لي والتي توسع فيها المؤلف باستمتاع فاتني الشعور به أحيانا. مهم جدا أن نلاحظ ما قدم به المؤلف حين قال:
"إن الهدف من هذا الكتاب، الذي سيتألف من أجزاء عدة على امتداد السنوات القليلة التالية، هو أن أحكي قصة حياتي، إنه يحكي عن الكتب كتجربة حيوية، وليس دراسة نقدية ولا يحتوي برنامجاً لتثقيف النفس" .
_ ينقسم الكتاب إلى مقدمة وأربعة عشر فصلا وثلاثة ملاحق (الكتب الأشد تأثيرا والكتب التي يتمنى قراءتها والهوامش)، لكن هذا التقسيم ليس دليلا على النظام والترتيب، فالمؤلف يسرد انطباعاته عن الكتب والمؤلفين الذين أثروا في وجدانه وشكلوا ملامح شخصياته واحتفظ بذكراهم طول العمر، وهو يفعل ذلك في تدفق كثيف دون ترتيب منطقي، بل إنه كذلك يستطرد في الموضوع الواحد طويلا وإن كانت هذه الاستطرادات أكثر ما أمتعني أصلا :D _ يتحدث المؤلف بداية عن ارتباطه الحميمي بالمؤلفين الذين قرأ لهم، وهو لا يُبارى في طريقته الدافئة العميقة التي يحكى بها عنهم كأنهم أصدقاء ومعلمون وملهمون، وذلك أمر فائق الجمال حقيقة. _ تحدث كذلك عن قراءاته الأولى خاصة في مرحلة الطفولة وكيف أثرت في تكوينه وشخصيته ومثلت له أمتع قراءاته، وخصص فصلا ل "رايدر هاجارد" وروايته "هي أو عائشة" التي كانت أغرب وأمتع ما قرأت في طفولتي والتي شعرت بإحباط دائم لكونها مجهولة للكثيرين، حتى جاء "هنري ميللر" ليحكي عنها ويحللها باعتبارها أيقونة طفولته. _ أعجبني كذلك المقارنة التي عقدها بين "ديستوفسكي" و "والت وايتمان"، ورغم أني لم أقرأ لوايتمان أبدا إلا أني قرأت لديستوفسكي مرارا وسررت حقا لوجود مؤلف أعرفه أخيرا في هذا الكتاب العجيب :) _ ثمة فصل كذلك عن "بليز سندرار" الكاتب الفرنسي الذي لا أعرفه لكني انجذبت فعلا بطريقة "ميللر" الساحرة في الحديث عنه باعتباره كاتبه المفضل، وكذلك فصل ممتع للغاية عمن سماهم "الكتب الحية" وهم أشخاص مغمورون قابلهم في حياته وتعلم منهم وألهموه أكثر مما فعلت الكتب، ثم فصل ساخر عن "القراءة في المرحاض" وهو رغم السخرية المريرة التي ينضح بها وكذلك بعض الابتذال إلا أنه احتوى على ملاحظات شديدة العمق والرهافة.
وبعد، فهذا الكتاب تجربة فريدة حقا ترددت فيها بوضوح بين طرفي نقيض: حيث أفكار متطرفة وأحداث مملة وشخصيات مجهولة من جهة، وأفكار أخرى عميقة وملاحظات ثاقبة وانطباعات مرهفة وشخصيات تدب فيها _بفعل الكلمات_ الحياة فتراها على الورق تشعر وتفكر وتتكلم وتتحرك، لقد حاولت كثيرا وصف هذا المزيج المتناقض فلم أجد أنسب مما ذكره "هنري ميللر" نفسه نقلا عن "د.ه.لورانس" في وصفه لنص كتبه "وايتمان": هذا الكتاب "مقطوعة نثرية متنافرة، ومزيج من الهراء المدّعي، وومضات من حدة الفهم المذهلة" .
مفاتيح عالم ميللر الساحر كلها تقريبا في هذا الكتاب، مؤسف أن هناك العديد من الكتب التي لا نعرفها، أثرت وصنعت الكتّاب على نحو قد لا نفهمه أبدًا، ومؤسف أكثر أن لا نستطيع نحن أن نقرأ الكتب التي نعرفها، أو أن لا نستطيع التأثر بها كما يفعلون.
قراءات الطفولة حساسة ومتجذرة في أعماق ميللر وغيره، تبهرني قدرتهم على التعبير عن الاعجاب، لا يبدو ذاتيا أو موضوعيا بل يبدو إعجاب قارئ مخلص مفكر.
مئات الأسماء تنتشر في هذا الكتاب، أشخاص عناوين شخصيات، وقائمة بأكثر مئة كتاب أثرت فيه، هذا النوع من النقد هو الذي ينقص كتّابنا، نحن لا نعرف ماذا قرأوا ولربما هم لا يريدون أن يقولوا، يكتفون بالحديث عن الإبداع، وطقوس الكتابة ولحظات التجلي، سأدفع مبلغًا مضاعفًا للمبلغ الذي دفعت ثمنًا لهذا الكتاب، إن وجدت كتابًا، يحكي عن الكتب في حياة محمود درويش أو جبرا أو غيرهما...
من هنا بدأت رحلتي مع كاتب المدارات، الرحلة التي لا أتمنى أن تنتهي.