...
Show More
في منتصف الثمانينات صدرت لأوستر رواية " مدينة الزجاج " و التي قام برفضها سبعة عشر ناشر حتى جازف أحدهم بطباعتها و ذلك لكونها رواية غير مألوفة و غامضة إن صح التعبير. أعقب ذلك صدور روايتين هما " الأشباح " و " الغرفة الموصدة " - غنيّ عن القول أنهما الجزئين المكملين للثلاثية - و بعد سنتين تفرغ أوستر للكتابة بعد أن حقق المجد و الشهرة عبر هذه الثلاثية و أصبحت الكتابة مهنته الأساسية إذ بدأت تنفق عليه و إن لم يكن بالثراء الذي يتصوره البعض - يعلق ضاحكاً -. عوالم أوستر على غرابتها و فرادتها من الممكن التكهن بها فهناك دائماً كاتب و هناك الكثير من حديث الكتب، و يبحث شخوصه بإلحاحٍ جنوني على الدوام عن الهوية و المعنى، و بطبيعة الحال تلعب الصدفة دوراً كبيراً في قصص أوستر. في مدينة الزجاج يتصل أحدهم بالكاتب كوين طالباً النجدة من وكالة التحري! و بالمناسبة يقول أوستر أنه قد تعرض لهذا الموقف شخصياً. الثلاثية مجموعة من الروايات البوليسية - ليست بالنمط المعهود - و فيها ينساق الأبطال بمكالمة أو رسالة لمصيرهم الحادّ و تحتاج الثلاثية إلى جَلَد من نوع خاص. من عبقرية أوستر أنه توقع هذا الحنق ليربت على كتف القاريء بجملة من كتاب " والدن " ترجو من القارئ أن يتهمل في قرائته حتى يستوعبه كاملاً! هناك الكثير من السطور التي سيطل بها أوستر مخاطباً القارئ بشكل غير مباشر. في الرواية الأولى يلعب كوين دور التحري - علماً أنه كاتب عادي لا أقل و لا أكثر - بينما يذهب التحري بلو ليهدر سنة من عمره في مراقبة شخص آخر في " الأشباح " و في الرواية الثالثة تتحول رسالة فانشو صديق الطفولة إلى ديناميت من شأنه أن يدمر كل شيء. عبقرية الثلاثية تتجلى بوضوح بتشابهها مع متاهة كاتدرائية شارتر بفرنسا حيث تبدو الأمور الغامضة موغلة في الوضوح! العمل عبقري و عصيّ على النسيان و يدعو إلى مزيدٍ من هذا الأوستر. لا يفوتني أن أشيد بالترجمة الأمينة.