...
Show More
توالى القراءة لمحفوظ - رحمة الله عليه - تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه الروائى العربى الأفضل والأكمل -إن جاز التعبير - والذى ربما لن تجود علينا مصر بمثله, فمحفوظ باختصار يبهرك إبهاراً بقدرته على تنويع طرق الحكى والقص فالأسلوب مختلف وطريقة الكتابة دائماً مختلفة.
فى رواية ميرامار يحكى كاتبنا التاريخى نفس القصة على لسان أربع شخصيات – وأؤكد هنا أننى استمتعت كثيراً بأن أرى الدنيا بأربع أعين مختلفة وأفكر بها بأربع أفهام مختلفة - لم تربطهم صلة ببعضهم سوى أنهم جميعاً سكنوا مسرح الأحداث - بنسيون ميرامار التاريخى - فى نفس الفترة لأسباب مختلفة:
"لماذا يعذب الناس بعضهم بعضاً ولماذا يتقدم بنا العمر"
فأولهم عامر وجدى الكاتب الصحفى على المعاش المسن بدون أنيس ولا جليس الذى يقرر الانتقال إلى الإسكندرية والسكن فى البنسيون بحثاً عن الألفة والعائلة وإستعادة ذكرياته مع الأسكندرية ويقابل زهرة ويحنو عليها حنواً أبوياً وينصحها أكثر من مرة للعودة إلى ديارها والتمسك بجذورها والبعد عن المدينة باستغلالها وقبحها.
"إذن فابحث عن خواجا مناسب لتحل محله, فريكيكو لا تلمنى"
هذا هو باختصار ثانى رواة هذه القصة حسنى علام الانتهازى والذى لا يقدم معروفاً إلا فى انتظار الرد بمجرد أن ينجح فى الوصول إلى مبتغاه حتى يهرب ويعد العدة للغنيمة التالية.
"إننى مقتنع بأن الثورة كانت أرفق بأعدائها أكثر مما يجب"
منصور باهى ثالث الرواة ومذيع بإذاعة الأسكندرية الثورى الحالم الذى يجد أن الثورة كانت أرفق بأعدائها أكثر مما يجب والذى يهرب من القاهرة لسبب ما لم يفصح عنه عمنا نجيب محفوظ قد يكون لأخيه ضابط البوليس الكبير علاقة بذلك, مؤمن بالاشتراكية وكاره للرأسمالية واقتبس له قولاً:
"وسعد زغلول ؟ لقد عبده الجيل السابق عبادة ..
ما قيمة المعبودات القديمة ! لقد طعن الرجل الثورة الحقيقية وهى فى مهدها"
"البعض يضيقون بالثورة , ولكن أى نظام يمكن أن يحل محلها ؟ فكر قليلاً أو كثيراً فلن تجده خارجاً عن واحد من أثنين , فإما الشيوعية وإما الإخوان , فأيهما تفضل على الثورة ؟ فقال بعجلة : لا هذا ولا ذاك"
سرحان البحيرى آخر الرواة راكب موجة الثورة والإصلاح الباحث عن الثروة بإدعاء الوطنية والذى تطارده اللعنات والشتائم أينما حل , يرى محفوظ أنه لا يجوز إلصاق تهمة البحيرى بالثورة فهو ألد أعداء الثورة مندداً بطريقة الحكم بعد الثورة فيقول:
"لقد أغلقت الأبواب بقدر ما فتحت ..
تذكر الملايين ثم احكم من جديد
حسناً, وما رأيك فى المنعمين الجشعين؟
رأيى أنهم أعداء للثورة فلا يحكم بهم عليها .."
فى كل مرة أقرأ لنجيب محفوظ لا أمنع نفسى من التفكير فى إسقاط ما على الواقع وأجد أنه من الغباء عدم التفكير فى ذلك وفى كل رواية لا أخرج منها بإسقاط أتأكد أننى لم أفهمها جيداً , وفى هذه الرواية ألاحظ التشابه المقصود بين أبطال الرواية وشرائح المجتمع المختلفة بعد ثورة – أو هكذا سميت بعد قيامها بسنة ونصف يناير 1953 - يوليو 1952 فيما يشبه الإسقاط فممثل طبقة الشعب العامل عامر وجدى وممثل طبقة أصحاب الأرض والمال الإقطاعيين طلبة مرزوق وممثل راكبى موجة الإصلاح سرحان البحيرى وممثل فئة أصحاب المصالح والانتهازيين حسنى علام "وممثل فئة الثوريين الحالمين منصور باهى" والتمثيل الأجنبى بوجود ماريانا صاحبة البنسيون والتى تبحث عن الإثراء باستغلال كل هؤلاء فتمجد وتمدح هذا بغية جذب الأموال وتحتضن زهرة لعلها تنجح فى إخضاعها لأعمال الدعارة وفى كل هذا تمثل زهرة من وجهة نظرى مصر البلد التى لم تفلح أن تصل إلى أن تكون دولة صناعية بعد 1952 ولم تنجح فى الحفاظ على هويتها والتمسك بجذورها وأن تبقى دولة زراعية ولم تصل فى طريق العلم إلى شئ يذكر شأنها فى ذلك شأن زهرة..
فى رواية ميرامار يحكى كاتبنا التاريخى نفس القصة على لسان أربع شخصيات – وأؤكد هنا أننى استمتعت كثيراً بأن أرى الدنيا بأربع أعين مختلفة وأفكر بها بأربع أفهام مختلفة - لم تربطهم صلة ببعضهم سوى أنهم جميعاً سكنوا مسرح الأحداث - بنسيون ميرامار التاريخى - فى نفس الفترة لأسباب مختلفة:
"لماذا يعذب الناس بعضهم بعضاً ولماذا يتقدم بنا العمر"
فأولهم عامر وجدى الكاتب الصحفى على المعاش المسن بدون أنيس ولا جليس الذى يقرر الانتقال إلى الإسكندرية والسكن فى البنسيون بحثاً عن الألفة والعائلة وإستعادة ذكرياته مع الأسكندرية ويقابل زهرة ويحنو عليها حنواً أبوياً وينصحها أكثر من مرة للعودة إلى ديارها والتمسك بجذورها والبعد عن المدينة باستغلالها وقبحها.
"إذن فابحث عن خواجا مناسب لتحل محله, فريكيكو لا تلمنى"
هذا هو باختصار ثانى رواة هذه القصة حسنى علام الانتهازى والذى لا يقدم معروفاً إلا فى انتظار الرد بمجرد أن ينجح فى الوصول إلى مبتغاه حتى يهرب ويعد العدة للغنيمة التالية.
"إننى مقتنع بأن الثورة كانت أرفق بأعدائها أكثر مما يجب"
منصور باهى ثالث الرواة ومذيع بإذاعة الأسكندرية الثورى الحالم الذى يجد أن الثورة كانت أرفق بأعدائها أكثر مما يجب والذى يهرب من القاهرة لسبب ما لم يفصح عنه عمنا نجيب محفوظ قد يكون لأخيه ضابط البوليس الكبير علاقة بذلك, مؤمن بالاشتراكية وكاره للرأسمالية واقتبس له قولاً:
"وسعد زغلول ؟ لقد عبده الجيل السابق عبادة ..
ما قيمة المعبودات القديمة ! لقد طعن الرجل الثورة الحقيقية وهى فى مهدها"
"البعض يضيقون بالثورة , ولكن أى نظام يمكن أن يحل محلها ؟ فكر قليلاً أو كثيراً فلن تجده خارجاً عن واحد من أثنين , فإما الشيوعية وإما الإخوان , فأيهما تفضل على الثورة ؟ فقال بعجلة : لا هذا ولا ذاك"
سرحان البحيرى آخر الرواة راكب موجة الثورة والإصلاح الباحث عن الثروة بإدعاء الوطنية والذى تطارده اللعنات والشتائم أينما حل , يرى محفوظ أنه لا يجوز إلصاق تهمة البحيرى بالثورة فهو ألد أعداء الثورة مندداً بطريقة الحكم بعد الثورة فيقول:
"لقد أغلقت الأبواب بقدر ما فتحت ..
تذكر الملايين ثم احكم من جديد
حسناً, وما رأيك فى المنعمين الجشعين؟
رأيى أنهم أعداء للثورة فلا يحكم بهم عليها .."
فى كل مرة أقرأ لنجيب محفوظ لا أمنع نفسى من التفكير فى إسقاط ما على الواقع وأجد أنه من الغباء عدم التفكير فى ذلك وفى كل رواية لا أخرج منها بإسقاط أتأكد أننى لم أفهمها جيداً , وفى هذه الرواية ألاحظ التشابه المقصود بين أبطال الرواية وشرائح المجتمع المختلفة بعد ثورة – أو هكذا سميت بعد قيامها بسنة ونصف يناير 1953 - يوليو 1952 فيما يشبه الإسقاط فممثل طبقة الشعب العامل عامر وجدى وممثل طبقة أصحاب الأرض والمال الإقطاعيين طلبة مرزوق وممثل راكبى موجة الإصلاح سرحان البحيرى وممثل فئة أصحاب المصالح والانتهازيين حسنى علام "وممثل فئة الثوريين الحالمين منصور باهى" والتمثيل الأجنبى بوجود ماريانا صاحبة البنسيون والتى تبحث عن الإثراء باستغلال كل هؤلاء فتمجد وتمدح هذا بغية جذب الأموال وتحتضن زهرة لعلها تنجح فى إخضاعها لأعمال الدعارة وفى كل هذا تمثل زهرة من وجهة نظرى مصر البلد التى لم تفلح أن تصل إلى أن تكون دولة صناعية بعد 1952 ولم تنجح فى الحفاظ على هويتها والتمسك بجذورها وأن تبقى دولة زراعية ولم تصل فى طريق العلم إلى شئ يذكر شأنها فى ذلك شأن زهرة..