رواية جميلةنسج نجيب محفوظ أحداثها وتفاصيلها في شكل رباعية تُحكى على لسان الأبطال ،وكعادته تجده يتعمق داخل الشخصيات لدرجة تجعلك تتعاطف مع الشخصيات الشريرة ويجعلها تبدو وكانها ضحية الاستبداد وعدم الصدق والشفافية وقيم الفهلوة السائدة في المجتمع المصري .. الرواية تتجول بك في المدينة الساحرة الاسكندرية وتثير داخلك مشاعر الشوق لأن تشد الرحال إليها فور انتهائك منها ، أبهرني جدا وصفه لشتائها وعواصفها حيث أضفى عليها طابعا رومانسيا وشجيا بديعا وكانك امام لوحة فنية رائعة الجمال.. أعجبتني شخصية زهرة جدا فلاحة ذكية وقوية ، رغم وقوعها في شرك سرحان البحيري إلا أنها لم تترك حقها عندما اكتشفت خداعه ..برع أديبنا في نسج خيوط هذه الشخصية فتجد نفسك لا تتعاطف معها لأنها "مايتخافش عليها" أكثر من تعاطفت معه هو شخصية المذيع الصراع الداخلي الذي يعاني منه قاسيا لدرجة لا تحتمل ومعقد لدرجة يستحيل وضع نهاية له. الرواية مشوقة جدا
أولا، هذا النوع من السرد دائما يفتنُني؛ حينما تسمع القصة من كُل أطرافها تشعر وكأنك عشت الموقف وكُنت هُناك معهم، بالإضافة إلى أنّه يعطيك الصُورة المُتكاملة لا الصورة من وجهة نظر البطل أو الراوي .. وهنا نجيب محفوظ أبدع إبداعاً بهيّاً .
في بنسيون ميرامار الذي كان بنسيون السادة في أزمنة غابرة، والذي تشهد له إسكندرية تاريخه الحافل مع مالكته اليونانية مدام ماريانا، تجتمع فيه شخصيات روايتنا التي تختلف عُمرياً، فكرياً وثقافياً .. لكل شخصية رواية خاصة بها تبدأ بـ عامر وجدي الذي يعود لمسقط رأسه الإسكندرية ولا يجد مكاناً ليقيم فيه سوآء بنسيون الصديقة القديمة ماريانا و "جميل أن يجد الإنسان صديقا يقاسمه وحدته"، ثاني نزيل طلبة مروزق من كان تجمعه علاقة حُب وود بـ ماريانا في الماضي، وبعدها شيئا فشيئا بدأت غُرف البنسيون بالامتلاء .. بـ مسيو سرحان البحيري من أسرة البحيري، مسيو حُسني من أسرة علّام بطنطا، وأخيراً جاء منصور باهي مُذيع بمحطة الإسكندرية والأكثر انعزالاً بينهم .. وكانت هذه العائلة الصغيرة تجتمع على صوت أم كُلثوم وعلى مائدة الإفطار برغم التنافر والاختلاف فيما بينهم.
إن أنماط الشخصيات المُختلفة التي تُظهرها الرواية شيء طبيعي جداً، سواء وقع الحدث بعد ظروف الثورة أو وقع من ضمن أحداث الحياة العامّة، فـدائما نجد الشخصية المنافقة التي لا تملك أيّة مبادئ والتي تبحث عن مصلحتها الشخصية قبل كل شيء، كما نجد المعارضين للثورة والمؤيدين لها بشدة وأحياناً كثيرة بلا أسباب واضحة وهناك المتحرر والمعقد والصامد .. هذه التشكيلة التي بناها محفوظ هُنا تُحاكي الواقع تماماً.
أما عن مركز الرواية، والشخصية التي تدور حولها الأحداث هي -زُهرة- الفلاحة التي هربت من واقع تزويجها بشخص بـ عمر جدها، إلى واقع عملها كـ خادمة في بنسيون ميرامار، وإن كانت زُهرة رمزاً لـ مصر فـالكل يُريد جزءاً منها، وإن كانت رمزاً للحياة فالجميع يطمح ليأخذ أكبر قدر منها، وإن كانت مُجرد رمز للمرأة القويّة الجميلة فـ بالطبع سيسعى الجميع وراءها وقد يكون السعي بنيّات سيئة أحيانا والتي قد تتعرّض للخُذلان والانكسار ولكنها دائما ما تبقى صامدة واقفة .
n الرواية مُمتعة للغاية وتشعر أنك تلتهم الورق وأنت تقرأها، وحتماً ستجعلك تقع في غرام الإسكندرية. n
لا شك أن مدينة الأسكندريه لها سحرها الخاص الذى لا يقاوم , حتى عندما يُكتب عنها . انت تتحدث عن مدينه غريبه تضم من الطوائف والعقائد المختلفه والديناميكيه التاريخيه ما يؤهلها لأن تكون محور مهم من محاور أى مجتمع. ولذلك فعندما يكتب عبقرى (كمحفوظ ) عنها فأنت تتوقع ��ئ (كصراع الجبابر ) فهى المدينه العظيمه الذى افنى البشر حياتهم فى حبها وهو الكاتب المبدع الذى أفنى حياته فى الكتابه عن أمثالها والنتيجه أن ظهرت بين أيدينا هذا العمل العظيم. ميرامار : ذلك (البنسيون) الصغير الذى تناوبت عليه الايام ليحطم عزه وعز سيدته ومالكته كما أتى الزمن فى حينها على اشياء كثيرة فى المجتمع . خليط مجتمعى رفيع المستوى والضحيه واحده فى مثل شعبى بيقول : (البلد دى ما بتجيش الا على الغلبان ) : تجسد هذا المثل فى الروايه. على طول الروايه قدم محفوظ وجهة نظر كافة طوائف المجتمع عما يسمى (ثورة52) بصورة أكثر من رائعه