...
Show More
-73-
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ" قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ"، تلك الأيام القاحلة، النكدة، يقول إينيو فلايانو "في الماضي كان الندم يأتي فيما بعد، صار الآن يسبقني".. يقول ابن العربي "(لعن المؤمن كقتله)، وأخذ ماله كقتله، وتنكيد عيشه بالهموم والغموم قتلٌ له؛ فإن الكاسف البال ميّت"، ويقول فالح بن طفلة "ما عدتُ أرجو أن تكون حبيبي = فارحل بلا لومٍ ولا تثريبِ، ولَوِ التقينا صدفةً فلنلتقي.. مثل الغريبِ إذا التقى بغريبِ"، لم أعد أطمع في الظفر بك، جاء في سنن الترمذي "الشُّعْثُ رُءُوسًا، الدُّنْسُ ثِيَابًا الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ المُتَنَعِّمَاتِ وَلَا تُفْتَحُ لَهُمُ أَبْوَابُ السُّدَدِ"، وكيف لي أن أنكح المتنعمات وهذه حالي منذ زمن غير قريب، غير أني أكاد أعضُّ أصابع الندم على ضياع وجهكِ عني، كيف يكون وجهها هو الدنيا، هي الحياة، وكيف غرقَ قلبي في بحر نظرتها العابرة، أكاد أختنق.. أختنق، كيف النجاة؟!، أنا أرثي لحالي وأشفق على مقالي، تلك الأيام الصعبة.. القاسية، لكمْ وددتُ أن أحيطك بذراعي فأغيب عن أحزاني ساعة، نعمْ قالَ المنفلوطي: "الحب شقاءٌ كلُّه"، ولكنه شقاءٌ جَلَبَه القضاء، ليس للمرءِ فيه خيار إلا بما أرخىٰ مِن أسبابِ تَمَكُّنِه، وما المحِبُّ إلا ساعٍ إلى سكنٍ يَأوي إليه؛ فنُبذَ بالعَراءِ غيرَ مَلومٍ !"، اللهم لطفك بي.. مريضٌ مفتون، جاء في "الحديقة" لمحب الدين الخطيب: "أشد الناس كآبةً: كئيبٌ لا يعرف سببَ كآبته!"، ليتني فزتُ بكِ، جنتي السرمدية، فردوسي المفقود.. قَالَ الزُّهْرِيّ - رحمه الله -: "إِذا أنْكرت عقلك فاقدحه بعاقل"، بدأتُ في قراءة نسخة سيئة الطباعة مليئة بالغلطات الإملائية من "سنن الترمذي" بتحقيق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، كنتُ قد اشتريتها من معرض الكتاب بثمن بخس للغاية، ورغم أن الكتاب لا يخلو إلا من تعليقات مبتسرة جدًا للشيخ أحمد شاكر غير أن إضافة حكم الحديث إن كان صحيحًا أو ضعيفًا من تحقيقات الألباني جيد جدًا، الخط صغير غير أني عكفت على إنهاء الكتاب في ظل العطلة التي تمتعت بها في الأيام الماضية في ظل البحث عن عمل حقيقي، جاء في سنن الترمذي عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ، فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ، فَلِذَلِكَ أَقُولُ: جَفَّ القَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ"، قال أبو عيسى الترمذي: "صنفت هذا الكتاب، وعرضته على علماء الحجاز، والعراق وخراسان، فرضوا به، ومن كان هذا الكتاب - يعني: (الجامع) - في بيته، فكأنما في بيته نبيٌّ يتكلم"، بعدها قرأتُ نسخة من كتاب "الدرر في اختصار المغازي والسير" لابن عبد البر من مطبوعات وزارة الأوقاف، وهو كتاب لا يصلح للمبتدئ، فهو كتاب يهتم بتفاصيل تفاصيل غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - وسراياه، غير أن سعة علم ابن عبدالبر بالأنساب والقرابة بين الصحابة في كتابه أمر جدير بالتأمل، اشتريته أيامها بثمانية جنيهات لا غير من منفذ بيعهم بمعرض الكتاب، يقول أبو الفتح البُستي "فكَمْ دَقَّت، وشَقَّت، واستَرقَّت = فُضولُ العيشِ أعناقَ الرِّجالِ!"، ضاع ما بقي من هناءة بالي في طلب لقمة العيش هذه الأيام، غير أني أستعين على الأيام بالكتاب، قال ابن الرومي "ولا تحسبنَّ الحزنَ يبقى فإنه = شهاب حرقٍ واقدٌ ثم خامدُ.. ستألفُ فقدان الذي قد فقدته = كإلْفكَ وجْدان الذي أنتَ واجدُ"، قرأتُ مجموعة من الكتب في مناهضة لوثة التشيع أخذتها كهدايا من "رضوان"، وأصحاب المكتبات الدينية كلهم في معرض الكتاب يعرفون "رضوان"، وهو شخص نحسبه على خير يدعي أن الشيعة يأتمروا به ليقاتلوه وأنه أكبر محارب للشيعة في الجزائر، المهم أني قابلته في المعرض ووسط استخفافنا به أعطانا مجموعة الكتب هذه للكاتب "عبدالملك الشافعي" - المهتدي من التشيع - وكلها تدور حول نقض فكرة الإمامة عند الشيعة الإثني عشرية وبيان عوار مذهب التشيع، وقد قرأتها سريعًا بغية الخلاص منها فقرأت "الفصام النكد: دراسة لحقيقة الأزمة بين علماء الشيعة والقرآن"، و"صلاة الشيعة في مساجد المسلمين أملٌ أم ألم" و"الفكر التكفيري عند الشيعة حقيقة أم افتراء؟" و"آفات تجهض الحوار: الوجه الآخر للتشيع"، وكذلك بحث قيم تحت عنوان "التطور العقدي لمفهوم الإمامة عند الشيعة الإثني عشرية" لتوفيق محمد مصيري، وأغلبها نقولات من كتب الشيعة ومصادرهم كانت في الأساس ردود على دعاتهم في المنتديات، ولا بأسَ بها، قرأتُ أيضًا معهم سريعًا مجموعة منتقاة من فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز رحمه الله تحت عنوان "الدرر الثرية من الفتاوى البازية"، وهو جمعٌ جيد لفتاوى الشيخ في أبواب العبادات، يقول محمد بن حازم الباهلي "وفي اليأسِ منْ ذلِّ المطامعِ راحة ٌ= وفي النَّاسِ ممَّنْ لا يحبُّ بديلُ"، العجز غاية الرضا، وقد رضيتُ بعجزي عن قنصك وكل شيء بقدر، تلك الأيام النكدة، الرخيصة الساذجة، يقول الرافعي "ربما يكون أدقُّ خيط من خيوط آمالنا، هو أغلظ حبل من حبال أوهامنا"، كساد حالي من سوء حظي وميل بختي، قرأت مجموعة جميلة من مطبوعات المركز القومي للترجمة في أربعة أجزاء للقصص القصيرة الكاملة للمؤلف "هربرت جورج ويلز"، وبدايةً أحب أن أنوه على الترجمة السيئة لأغلب مترجمات المشروع كما لو أنه عمل حكومي تمَّ على عجل أو مشروع مسودات غير منقحة، المترجم هو رؤوف وصفي، ورغم الجهد المبذول في ترجمة روائع "ويلز" إلا أن بعض القصص جاءت غير مفهومة لركاكة الترجمة وسوء النقل، كثير من مترجمات "المركز القومي للترجمة" خيبت توقعاتي للأسف، كتبت من قبل عن كارثة ترجمة المجموعة القصصية الكاملة لإدجار آلان بو، ترجمة حرفية كما لوكانت المترجمة تترجم عن جوجل نقلًا، ولعل هذا سبب زهد الكثير في تلك الترجمات الرديئة رغم رخص ثمنها، المهم أن "ويلز" كاتب مستقبلي ممتع، صورة متألقة من حدة الذهن وتوسع المعلومات بحيث يكتب هذا الكم من القصص السابقة لزمانها، كما أن بعض القصص الاجتماعية بالغة التهكم وتشهد بذوق "ويلز" الساخر القوي، إن إيمان ويلز القوي بالعلم وما سيصل إليه العقل البشري في المستقبل لا ينقطع في وتيرة قصصه الكثيرة، كما أن نظرته القانطة لمستقبل البشرية عبر عنه بقوة في قصته القوية المشوقة "آلة الزمن"، إن "ويلز" كان على يقين بأن الحضارة الصناعية ستدمر نفسها في النهاية، أنصحكم باقتناص هذه المجموعة رغم سوء ترجمتها والصبر على قرائتها فهي ممتعة للغاية مليئة بالمفاجآت والغرائب التي كانت تميز قصّ الجيل الأول من رواد الأدب العالمي، عكس ما نراه اليوم من الكتابة الحداثية التي لا تعتمد على خط واحد من الحكي السلس، نظرةٌ فعلت بي الأفاعيل بلا جدوى، سئل سفيان الثوري عن قوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] ما ضعفه؟ قال: "المرأة تمر بالرجل، فلا يملك نفسه عن النظر إليها، ولا هو ينتفع بها؛ فأي شيء أضعف من هذا؟!"، قرأتُ الجزء الأول من رائعة عبدالرحمن منيف "مدن الملح- التيه"، كنتُ قد قرأت من قبل لمنيف "النهايات" ولم أعد أتذكر منها شيئًا، وتعجبت من حجم الإشادة بالكاتب وظننت أنها من المبالغات الأدبية المتعارف عليها، غير أن هذا الجزء من خماسيته القوية الطاغية عرفني قيمة الرجل الحقيقية، قصة المملكة العربية السعودية الثالثة وارتمائها في أحضان الأمريكان بأسلوب روائي قمة في الروعة والسلاسة والترميز القصصي، أنا مستأنس حتى الآن بتلك الحكايا الطيبة عن "حرَّان" منيف وناسها، هذا الجزء رغم صفحاته الستمائة مرَّ معي كالريح المرسلة وقد اقتنصته من بين ركام كتب سور الأزبكية بثمن بخس حيث أنها طبعة خاصة "بروايات الهلال" ولا أدري كيف أبحث عن الأربعة الأجزاء الباقية من الخماسية، غير أن كتاب واحد يدلل على قيمة الأديب وعلى علو كعبه أسلوبًا وأدبًا، وهذا ما أشهد به لمنيف في خماسيته، لقد شختُ قبل أواني، أتطلع إلى نفسي في أسى وأتذكر قول ساراماجو "إن الصور القديمة تخدعنا كثيرًا، فهي توهمنا بأننا أحياء فيها، وهذا غير صحيح لأن الشخص الذي ننظر إليه فيها لم يعد موجود، ولو كان بمقدوره أن يرانا فلن يتعرف على نفسه فينا وسيقول: من هذا الذي ينظر إلي بوجه محزون"، رحم الله أبو العلاء إذ يقول "فَما لِلفَتى إِلّا اِنفِرادٌ وَوَحدَةٌ = إِذا هُوَ لَم يُرزَق بُلوغَ المَآرِبِ"، ويتساءل طارق واصل: "هنالك سنة من السنوات ستكبر فيها عشرين عامًا.. هل مرَّتْ عليك؟"، قرأتُ بعد ذلك كتاب متخصص في "الفنون الإسلامية" لـ د. سعاد ماهر، جيد في مادته لكنه مبتسر في العرض، وحاولت استكمال قراءة رواية "الحي اللاتيني" لسهيل إدريس وكنت قد توقفت عن القراءة فيها لثقل تعبيراتها وسماجة عواطفها، وبعد محاولات قسرية أتممت قرائتها رغم قصر عدد صفحاتها، والحق أن كتابات أوائل القرن مليئة بتضخم المشاعر واستطالة الوصف، لك أن تتخيل أن بلزاك في ملهاته على سبيل المثال يسهب في وصف منظر في أكثر من عشر صفحات في إطناب غير مبرر، هذا غير مشاعر ديستوفسكي التي ينثرها حبرًا على صفحات ورقات رواياته الكثيرة بشكل يبعث القارئ المعاصر على الملل والضيق، قصة "الحي اللاتيني" غيض من فيض ومبالغة الكاتب في وصف اللقاءات الشبقية مع معشوقته الفرنسية أيضًا في غاية السماجة، لكن هكذا كانت الكتابة قديمًا وكانت تجد رواجًا جيدًا بين جمهور قارئيها، قال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43]، قال ابن القيم "وقد شاهد الناس عيانًا أن من عاشَ بالمكر ماتَ بالفقر"، قال إبراهيم الحربي من تلاميذ الإمام أحمد "أجمع عقلاء كل ملة: أنه من لم يجر مع القدر لم يتهنأ بعيشه"، إنما أنا ورقة في مهب في رياح الأحداث، قرأتُ كتابين جميلين في مادتيهما من إصدارات مركز تدبر عبارة عن جمع لتأملات تدبرية في آي القرآن لأكثر من 120عالم وطالب علم بعنوان "ليدبروا آياته" تسير بالترتيب مع سور القرآن وجمع دقائق التفسير في آيات كل سورة، ولدي المجموعة الأولى والثانية فقط من هذه الإصدارات الطيبة في إخراجها وترتيبها، تلك الحياة الرتيبة بأيامها وساعاتها ولحظاتها، يقول أمين نخلة: "إنتصار الإرادة على العادة.. حياة مستعادة"، تلك الوحدة التي أماتت روحي، يا ربي رفيقَ روحٍ آنسُ به وأركنُ إليه، ذكر ابن كثير في تفسيره أنّ الشِّبْلي سأل أبا بكر بن مجاهد: أين تَجد في القرآن أنّ المُحبَّ لا يعذِّب حبيبَه؛ فلم يهتد ابن مجاهد، فقال له الشبلي في قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدة: 18]، لو كنت حبيبك لم تكن معذبي بحبي إياك على يأس يدي عن نوالك.. للهِ قلبي!
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ" قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ"، تلك الأيام القاحلة، النكدة، يقول إينيو فلايانو "في الماضي كان الندم يأتي فيما بعد، صار الآن يسبقني".. يقول ابن العربي "(لعن المؤمن كقتله)، وأخذ ماله كقتله، وتنكيد عيشه بالهموم والغموم قتلٌ له؛ فإن الكاسف البال ميّت"، ويقول فالح بن طفلة "ما عدتُ أرجو أن تكون حبيبي = فارحل بلا لومٍ ولا تثريبِ، ولَوِ التقينا صدفةً فلنلتقي.. مثل الغريبِ إذا التقى بغريبِ"، لم أعد أطمع في الظفر بك، جاء في سنن الترمذي "الشُّعْثُ رُءُوسًا، الدُّنْسُ ثِيَابًا الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ المُتَنَعِّمَاتِ وَلَا تُفْتَحُ لَهُمُ أَبْوَابُ السُّدَدِ"، وكيف لي أن أنكح المتنعمات وهذه حالي منذ زمن غير قريب، غير أني أكاد أعضُّ أصابع الندم على ضياع وجهكِ عني، كيف يكون وجهها هو الدنيا، هي الحياة، وكيف غرقَ قلبي في بحر نظرتها العابرة، أكاد أختنق.. أختنق، كيف النجاة؟!، أنا أرثي لحالي وأشفق على مقالي، تلك الأيام الصعبة.. القاسية، لكمْ وددتُ أن أحيطك بذراعي فأغيب عن أحزاني ساعة، نعمْ قالَ المنفلوطي: "الحب شقاءٌ كلُّه"، ولكنه شقاءٌ جَلَبَه القضاء، ليس للمرءِ فيه خيار إلا بما أرخىٰ مِن أسبابِ تَمَكُّنِه، وما المحِبُّ إلا ساعٍ إلى سكنٍ يَأوي إليه؛ فنُبذَ بالعَراءِ غيرَ مَلومٍ !"، اللهم لطفك بي.. مريضٌ مفتون، جاء في "الحديقة" لمحب الدين الخطيب: "أشد الناس كآبةً: كئيبٌ لا يعرف سببَ كآبته!"، ليتني فزتُ بكِ، جنتي السرمدية، فردوسي المفقود.. قَالَ الزُّهْرِيّ - رحمه الله -: "إِذا أنْكرت عقلك فاقدحه بعاقل"، بدأتُ في قراءة نسخة سيئة الطباعة مليئة بالغلطات الإملائية من "سنن الترمذي" بتحقيق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، كنتُ قد اشتريتها من معرض الكتاب بثمن بخس للغاية، ورغم أن الكتاب لا يخلو إلا من تعليقات مبتسرة جدًا للشيخ أحمد شاكر غير أن إضافة حكم الحديث إن كان صحيحًا أو ضعيفًا من تحقيقات الألباني جيد جدًا، الخط صغير غير أني عكفت على إنهاء الكتاب في ظل العطلة التي تمتعت بها في الأيام الماضية في ظل البحث عن عمل حقيقي، جاء في سنن الترمذي عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ، فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ، فَلِذَلِكَ أَقُولُ: جَفَّ القَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ"، قال أبو عيسى الترمذي: "صنفت هذا الكتاب، وعرضته على علماء الحجاز، والعراق وخراسان، فرضوا به، ومن كان هذا الكتاب - يعني: (الجامع) - في بيته، فكأنما في بيته نبيٌّ يتكلم"، بعدها قرأتُ نسخة من كتاب "الدرر في اختصار المغازي والسير" لابن عبد البر من مطبوعات وزارة الأوقاف، وهو كتاب لا يصلح للمبتدئ، فهو كتاب يهتم بتفاصيل تفاصيل غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - وسراياه، غير أن سعة علم ابن عبدالبر بالأنساب والقرابة بين الصحابة في كتابه أمر جدير بالتأمل، اشتريته أيامها بثمانية جنيهات لا غير من منفذ بيعهم بمعرض الكتاب، يقول أبو الفتح البُستي "فكَمْ دَقَّت، وشَقَّت، واستَرقَّت = فُضولُ العيشِ أعناقَ الرِّجالِ!"، ضاع ما بقي من هناءة بالي في طلب لقمة العيش هذه الأيام، غير أني أستعين على الأيام بالكتاب، قال ابن الرومي "ولا تحسبنَّ الحزنَ يبقى فإنه = شهاب حرقٍ واقدٌ ثم خامدُ.. ستألفُ فقدان الذي قد فقدته = كإلْفكَ وجْدان الذي أنتَ واجدُ"، قرأتُ مجموعة من الكتب في مناهضة لوثة التشيع أخذتها كهدايا من "رضوان"، وأصحاب المكتبات الدينية كلهم في معرض الكتاب يعرفون "رضوان"، وهو شخص نحسبه على خير يدعي أن الشيعة يأتمروا به ليقاتلوه وأنه أكبر محارب للشيعة في الجزائر، المهم أني قابلته في المعرض ووسط استخفافنا به أعطانا مجموعة الكتب هذه للكاتب "عبدالملك الشافعي" - المهتدي من التشيع - وكلها تدور حول نقض فكرة الإمامة عند الشيعة الإثني عشرية وبيان عوار مذهب التشيع، وقد قرأتها سريعًا بغية الخلاص منها فقرأت "الفصام النكد: دراسة لحقيقة الأزمة بين علماء الشيعة والقرآن"، و"صلاة الشيعة في مساجد المسلمين أملٌ أم ألم" و"الفكر التكفيري عند الشيعة حقيقة أم افتراء؟" و"آفات تجهض الحوار: الوجه الآخر للتشيع"، وكذلك بحث قيم تحت عنوان "التطور العقدي لمفهوم الإمامة عند الشيعة الإثني عشرية" لتوفيق محمد مصيري، وأغلبها نقولات من كتب الشيعة ومصادرهم كانت في الأساس ردود على دعاتهم في المنتديات، ولا بأسَ بها، قرأتُ أيضًا معهم سريعًا مجموعة منتقاة من فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز رحمه الله تحت عنوان "الدرر الثرية من الفتاوى البازية"، وهو جمعٌ جيد لفتاوى الشيخ في أبواب العبادات، يقول محمد بن حازم الباهلي "وفي اليأسِ منْ ذلِّ المطامعِ راحة ٌ= وفي النَّاسِ ممَّنْ لا يحبُّ بديلُ"، العجز غاية الرضا، وقد رضيتُ بعجزي عن قنصك وكل شيء بقدر، تلك الأيام النكدة، الرخيصة الساذجة، يقول الرافعي "ربما يكون أدقُّ خيط من خيوط آمالنا، هو أغلظ حبل من حبال أوهامنا"، كساد حالي من سوء حظي وميل بختي، قرأت مجموعة جميلة من مطبوعات المركز القومي للترجمة في أربعة أجزاء للقصص القصيرة الكاملة للمؤلف "هربرت جورج ويلز"، وبدايةً أحب أن أنوه على الترجمة السيئة لأغلب مترجمات المشروع كما لو أنه عمل حكومي تمَّ على عجل أو مشروع مسودات غير منقحة، المترجم هو رؤوف وصفي، ورغم الجهد المبذول في ترجمة روائع "ويلز" إلا أن بعض القصص جاءت غير مفهومة لركاكة الترجمة وسوء النقل، كثير من مترجمات "المركز القومي للترجمة" خيبت توقعاتي للأسف، كتبت من قبل عن كارثة ترجمة المجموعة القصصية الكاملة لإدجار آلان بو، ترجمة حرفية كما لوكانت المترجمة تترجم عن جوجل نقلًا، ولعل هذا سبب زهد الكثير في تلك الترجمات الرديئة رغم رخص ثمنها، المهم أن "ويلز" كاتب مستقبلي ممتع، صورة متألقة من حدة الذهن وتوسع المعلومات بحيث يكتب هذا الكم من القصص السابقة لزمانها، كما أن بعض القصص الاجتماعية بالغة التهكم وتشهد بذوق "ويلز" الساخر القوي، إن إيمان ويلز القوي بالعلم وما سيصل إليه العقل البشري في المستقبل لا ينقطع في وتيرة قصصه الكثيرة، كما أن نظرته القانطة لمستقبل البشرية عبر عنه بقوة في قصته القوية المشوقة "آلة الزمن"، إن "ويلز" كان على يقين بأن الحضارة الصناعية ستدمر نفسها في النهاية، أنصحكم باقتناص هذه المجموعة رغم سوء ترجمتها والصبر على قرائتها فهي ممتعة للغاية مليئة بالمفاجآت والغرائب التي كانت تميز قصّ الجيل الأول من رواد الأدب العالمي، عكس ما نراه اليوم من الكتابة الحداثية التي لا تعتمد على خط واحد من الحكي السلس، نظرةٌ فعلت بي الأفاعيل بلا جدوى، سئل سفيان الثوري عن قوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] ما ضعفه؟ قال: "المرأة تمر بالرجل، فلا يملك نفسه عن النظر إليها، ولا هو ينتفع بها؛ فأي شيء أضعف من هذا؟!"، قرأتُ الجزء الأول من رائعة عبدالرحمن منيف "مدن الملح- التيه"، كنتُ قد قرأت من قبل لمنيف "النهايات" ولم أعد أتذكر منها شيئًا، وتعجبت من حجم الإشادة بالكاتب وظننت أنها من المبالغات الأدبية المتعارف عليها، غير أن هذا الجزء من خماسيته القوية الطاغية عرفني قيمة الرجل الحقيقية، قصة المملكة العربية السعودية الثالثة وارتمائها في أحضان الأمريكان بأسلوب روائي قمة في الروعة والسلاسة والترميز القصصي، أنا مستأنس حتى الآن بتلك الحكايا الطيبة عن "حرَّان" منيف وناسها، هذا الجزء رغم صفحاته الستمائة مرَّ معي كالريح المرسلة وقد اقتنصته من بين ركام كتب سور الأزبكية بثمن بخس حيث أنها طبعة خاصة "بروايات الهلال" ولا أدري كيف أبحث عن الأربعة الأجزاء الباقية من الخماسية، غير أن كتاب واحد يدلل على قيمة الأديب وعلى علو كعبه أسلوبًا وأدبًا، وهذا ما أشهد به لمنيف في خماسيته، لقد شختُ قبل أواني، أتطلع إلى نفسي في أسى وأتذكر قول ساراماجو "إن الصور القديمة تخدعنا كثيرًا، فهي توهمنا بأننا أحياء فيها، وهذا غير صحيح لأن الشخص الذي ننظر إليه فيها لم يعد موجود، ولو كان بمقدوره أن يرانا فلن يتعرف على نفسه فينا وسيقول: من هذا الذي ينظر إلي بوجه محزون"، رحم الله أبو العلاء إذ يقول "فَما لِلفَتى إِلّا اِنفِرادٌ وَوَحدَةٌ = إِذا هُوَ لَم يُرزَق بُلوغَ المَآرِبِ"، ويتساءل طارق واصل: "هنالك سنة من السنوات ستكبر فيها عشرين عامًا.. هل مرَّتْ عليك؟"، قرأتُ بعد ذلك كتاب متخصص في "الفنون الإسلامية" لـ د. سعاد ماهر، جيد في مادته لكنه مبتسر في العرض، وحاولت استكمال قراءة رواية "الحي اللاتيني" لسهيل إدريس وكنت قد توقفت عن القراءة فيها لثقل تعبيراتها وسماجة عواطفها، وبعد محاولات قسرية أتممت قرائتها رغم قصر عدد صفحاتها، والحق أن كتابات أوائل القرن مليئة بتضخم المشاعر واستطالة الوصف، لك أن تتخيل أن بلزاك في ملهاته على سبيل المثال يسهب في وصف منظر في أكثر من عشر صفحات في إطناب غير مبرر، هذا غير مشاعر ديستوفسكي التي ينثرها حبرًا على صفحات ورقات رواياته الكثيرة بشكل يبعث القارئ المعاصر على الملل والضيق، قصة "الحي اللاتيني" غيض من فيض ومبالغة الكاتب في وصف اللقاءات الشبقية مع معشوقته الفرنسية أيضًا في غاية السماجة، لكن هكذا كانت الكتابة قديمًا وكانت تجد رواجًا جيدًا بين جمهور قارئيها، قال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43]، قال ابن القيم "وقد شاهد الناس عيانًا أن من عاشَ بالمكر ماتَ بالفقر"، قال إبراهيم الحربي من تلاميذ الإمام أحمد "أجمع عقلاء كل ملة: أنه من لم يجر مع القدر لم يتهنأ بعيشه"، إنما أنا ورقة في مهب في رياح الأحداث، قرأتُ كتابين جميلين في مادتيهما من إصدارات مركز تدبر عبارة عن جمع لتأملات تدبرية في آي القرآن لأكثر من 120عالم وطالب علم بعنوان "ليدبروا آياته" تسير بالترتيب مع سور القرآن وجمع دقائق التفسير في آيات كل سورة، ولدي المجموعة الأولى والثانية فقط من هذه الإصدارات الطيبة في إخراجها وترتيبها، تلك الحياة الرتيبة بأيامها وساعاتها ولحظاتها، يقول أمين نخلة: "إنتصار الإرادة على العادة.. حياة مستعادة"، تلك الوحدة التي أماتت روحي، يا ربي رفيقَ روحٍ آنسُ به وأركنُ إليه، ذكر ابن كثير في تفسيره أنّ الشِّبْلي سأل أبا بكر بن مجاهد: أين تَجد في القرآن أنّ المُحبَّ لا يعذِّب حبيبَه؛ فلم يهتد ابن مجاهد، فقال له الشبلي في قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدة: 18]، لو كنت حبيبك لم تكن معذبي بحبي إياك على يأس يدي عن نوالك.. للهِ قلبي!