...
Show More
"يوم قُتِلَ الزعيم"، رواية قصيرة جداً لمحفوظ وثاني قراءاتي له خلال الشهرين الماضيين.
جميل أن أقرأ عملاً أدبياً عن فترة ما بعد الانفتاح وحتى اغتيال السادات، وهذه مرّتي الأولى -كما أذكر- في قراءة شيء كهذا. الرواية تقع في 87 صفحة وقد تقرأها لمجرّد تمضية الوقت والتسلية كما فعلتُ أنا، غير أن الأمر سيختلف تماماً حين تدخل فيها أكثر.
الرواية بالفعل كئيبة جداً. هي كشف سريع ومختصر لواقع تلك الفترة والذي -للأسف الشديد- ما يزال يمتدّ حتى اليوم (!). الانفتاح الذي ملأ كروشاً وشفط دماءً، الذي طحن البسطاء والطبقة المتوسطة حتى لا تكاد تسمع حسّها إلا في صرخات هنا أو هناك أو محاولات عنيفة تعيسة لانتزاع نسيم سعادة هنا أو هناك، تماماً كمحاولة (علوان) و(رندة) طوال الرواية، أو عمل (فواز) و(هناء) في عملين يومياً فقط ليتدبروا لقمة العيش اللازمة، أو في محاولات (محتشمي بك) لإحياء الماضي "السعيد" في الذاكرة الذابلة وفي تعايشه مع الواقع بإيمانه الثابت وتديّنه الذي تمسّك به رغم السيادة الكاذبة للعقل في ذلك العهد. (محتشمي) بالمناسبة ربما هو روح محفوظ وشخصيته في هذه الرواية. نعم هو محفوظ بعينه، نفس النظرة الصوفية الحالمة والذاكرة المستحضرة ماضياً هالكاً والتديّن البسيط المُصَبِّر.
بوضوح يقارن محفوظ بين عصريْ (زعيمين) سابقين في الرواية، ويبدو من كلامه واضحاً أنه لا يؤمن بكلا العصرين مقدار ذرة ويؤمن أن ناصر والسادات كانا نصّابين كبيرين، وإني لأحييه على شجاعته وصدقه مع نفسه في عصر يغلب فيه نفاق الحكّام وانتقاد الأوضاع مع عدم مسّ أشخاصهم المقدسة بكلمة.
اليأس والكآبة وقصص الحب الفاشلة والروح المنهزمة سائدتان في كلّ شخوص الرواية تقريباً وهو ما قد يقلّب عليك المواجع فعلاً! لكن للأسف تلك كانت سمة الحياة وقتها وما زالت وما كان قلم محفوظ ليختلف كثيراً لو كان كتب عملاً جديداً في وقتنا الآنيّ هذا.
لم يتخلّ نجيب عن الرمزيّة ها هنا كذلك. لن تظهر لك كقارئ في ثلثي الرواية الأولين لكنك ستراها بكلّ وضوح في النهاية. وباختصار: نعم. نجيب محفوظ متعاطف تماماً مع قاتل السادات بل ويسرد خلفيته الاجتماعية المحتملة في محاولة أخيرة لإنصافه أمام التاريخ المفترس و(الراوي المأجور) -حسب تعبيره هو- .
أسلوب الرواية بسيط سهل القراءة كالعادة وبالتأكيد ستستمتع رغم كلّ شيء. فقط هي مؤلمة بشدّة والوجع سيمسّك بشكل ما كما فعل معي. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
جميل أن أقرأ عملاً أدبياً عن فترة ما بعد الانفتاح وحتى اغتيال السادات، وهذه مرّتي الأولى -كما أذكر- في قراءة شيء كهذا. الرواية تقع في 87 صفحة وقد تقرأها لمجرّد تمضية الوقت والتسلية كما فعلتُ أنا، غير أن الأمر سيختلف تماماً حين تدخل فيها أكثر.
الرواية بالفعل كئيبة جداً. هي كشف سريع ومختصر لواقع تلك الفترة والذي -للأسف الشديد- ما يزال يمتدّ حتى اليوم (!). الانفتاح الذي ملأ كروشاً وشفط دماءً، الذي طحن البسطاء والطبقة المتوسطة حتى لا تكاد تسمع حسّها إلا في صرخات هنا أو هناك أو محاولات عنيفة تعيسة لانتزاع نسيم سعادة هنا أو هناك، تماماً كمحاولة (علوان) و(رندة) طوال الرواية، أو عمل (فواز) و(هناء) في عملين يومياً فقط ليتدبروا لقمة العيش اللازمة، أو في محاولات (محتشمي بك) لإحياء الماضي "السعيد" في الذاكرة الذابلة وفي تعايشه مع الواقع بإيمانه الثابت وتديّنه الذي تمسّك به رغم السيادة الكاذبة للعقل في ذلك العهد. (محتشمي) بالمناسبة ربما هو روح محفوظ وشخصيته في هذه الرواية. نعم هو محفوظ بعينه، نفس النظرة الصوفية الحالمة والذاكرة المستحضرة ماضياً هالكاً والتديّن البسيط المُصَبِّر.
بوضوح يقارن محفوظ بين عصريْ (زعيمين) سابقين في الرواية، ويبدو من كلامه واضحاً أنه لا يؤمن بكلا العصرين مقدار ذرة ويؤمن أن ناصر والسادات كانا نصّابين كبيرين، وإني لأحييه على شجاعته وصدقه مع نفسه في عصر يغلب فيه نفاق الحكّام وانتقاد الأوضاع مع عدم مسّ أشخاصهم المقدسة بكلمة.
اليأس والكآبة وقصص الحب الفاشلة والروح المنهزمة سائدتان في كلّ شخوص الرواية تقريباً وهو ما قد يقلّب عليك المواجع فعلاً! لكن للأسف تلك كانت سمة الحياة وقتها وما زالت وما كان قلم محفوظ ليختلف كثيراً لو كان كتب عملاً جديداً في وقتنا الآنيّ هذا.
لم يتخلّ نجيب عن الرمزيّة ها هنا كذلك. لن تظهر لك كقارئ في ثلثي الرواية الأولين لكنك ستراها بكلّ وضوح في النهاية. وباختصار: نعم. نجيب محفوظ متعاطف تماماً مع قاتل السادات بل ويسرد خلفيته الاجتماعية المحتملة في محاولة أخيرة لإنصافه أمام التاريخ المفترس و(الراوي المأجور) -حسب تعبيره هو- .
أسلوب الرواية بسيط سهل القراءة كالعادة وبالتأكيد ستستمتع رغم كلّ شيء. فقط هي مؤلمة بشدّة والوجع سيمسّك بشكل ما كما فعل معي. ولا حول ولا قوة إلا بالله.