ساحرة وعميقة هذه الرواية، ساحرة بقدر سحر ألف ليلة وليلة، وعميقة بقدر عمق نجيب محفوظ، شخصيات وفيرة وغنية وعلاقات متشابكة وعالم غامض يتأرجح بين الواقع والخيال وبين المعقول واللا معقول بسلاسة متناهية، يبحر نجيب محفوظ هنا في النفس الإنسانية وما فيها من خير وشر، من زهد وطمع، من شهوة وتقوى، من عقل وجنون، من شك ويقين، يثبت أنه ليس هناك خير مطلق ولا شر مطلق ولا أحد يملك الحق وحده، خلاصة القصة الفلسفية في آخر فقرة منها
من غيرة الحق أن لم يجعل لأحد إليه طريقا، ولم يؤيس أحدا من الوصول إليه، وترك الخلق في مفاوز التحير يركضون، وفي بحار الظن يغرقون، فمن ظن أنه واصل فاصله، ومن ظن أنه فاصل منّاه، فلا وصول إليه ولا مهرب عنه، ولابد منه

من كان سروره بغير الحق فسروره يورث الهموم، ومن لم يكن أنسه في خدمة ربه فأنسه يورث الوحشة.
___________________

في الأثناء التي كان يبحث فيها شهريار عن القصص التي تؤنس ليله ويسرح معها، كان يدور في مملكته ولرعاياه، أمور يعجب منها الجن والإنس، ربما بشئ أكثر مما سمع من شهرزاد.

كيف تتقلب حياتنا بتلك الآلية وهذه السرعة، يتعاقب الأشخاص وتتغير الأسامي وتبقى حياتنا بأسرها مرهونة بحدث طارئ قد يهدم كل ماكان...!

أشكر نجيب محفوظ كثيراً على كتابته تلك الرواية الرائعة وأحب أن أسميها كواليس ألف ليلة وليلة.

أفضل وصف لها حتى الآن
هو مقال بلال فضل من ألم الفراق

وقفت فى حضرة الشيخ عبد الله البلخى باكيا، وقلت: يا شيخى أخشى على نفسى مصير شهريار، فقال بهدوء العارفين:

يا بنىّ شهريار هارب من ماضيه فمم أنت هارب؟ قلت: أنا هارب من ماضىّ ومن مستقبلى.. أبحث عن الحق وأخشى أن أجده، فلا طاقة لى بتبعات معرفته، فقال مستعيرا مقولة عبد الله العاقل: «من غيرة الحق أن لم يجعل لأحد إليه طريقا، ولم يُيئِس أحدا من الوصول إليه، وترك الخلق فى مفاوز التحير يركضون، وفى بحار الظن يغرقون، فمن ظن أنه واصل فاصله، ومن ظن أنه فاصل تاه، فلا وصول، ولا مهرب عنه، ولا بد منه».

أنت الآن فى حضرة ليالى ألف ليلة، أجمل وأعذب ما كتبه أبو الكتابة نجيب محفوظ، وكل ما كتبه جميل وعذب، أنت فى حضرة الكنز المحفوظى الذى لم يُكتشف بعد، هنا ستنهل ولن ترتوى من نهر الحكمة المحفوظية العابث وهو يجسد غموض مصير الإنسان الذى تدفعه أخطاء تافهة إلى التغير من أحسن حال إلى شر حال، ليبدو كأنه يؤدى دورا عبثيا لا علاقة له برسمه، هنا سيضعك محفوظ وجها لوجه أمام واقعك الذى لا تبدله آلاف الليالى، حيث الحاكم الذى «يأتى بإرادة لا علاقة لها بإرادة الناس ويرحل بنفس الإرادة، ويبدأ حكمه باعثا على الأمل وينهيه مشيعا باللعنات».

فى أبدع لوحات روايته (البكاؤون) يجرد محفوظ شهريار من جبروت الحاكم، ليقدمه إنسانا موزعا بين الخوف والرجاء وهاربا من قصره، بعد أن تناسى شعبه آثامه، يرى فى الخلاء صخرة كالقبة يدور حولها رجال يضربونها بقبضاتهم وهم لا يكفون عن البكاء، يقترب الفجر فيتنادون للعودة إلى دار العذاب، يضرب هو بقبضته على الصخرة فينفتح له باب ينبعث منه نور عذب ورائحة زكية مخدرة، يدخل مشفقا من أن يكون طريقه بلا نهاية، لكن المشى العقيم يطيب له، ولما أوشك أن ينسى لمشيه غاية يجد بركة صافية وصوتا يدعوه: افعل ما بدا لك، يخرج من البركة فى إهاب فتى مليح قوى، فتخبره صبية ملائكية أنه العريس الموعود لملكة عظيمة تضىء مدينة كأنها الفردوس، يتزوج ويمضى أيامه فى حب وتأمل وعبادة وغناء، فى قصر خلاب يحتاج ألف عام لاكتشاف خباياه، لكنه ينشغل عن كل هذا بباب حرمت عليه زوجته فتحه، قائلة «ستعرف السعادة الحقيقية عندما تنسى الماضى تماما»، لكنه يستسلم لنداء خفى، ويفتح الباب، فيداهمه مارد قبيح يعيده إلى حيث الصحراء والليل والصخرة والرجال والنحيب المتواصل، فيصرخ طالبا الرحمة، ويهوى بقبضته على الصخرة هاتفا «جميع الكائنات تبكى من ألم الفراق».

مع نجيب محفوظ ستبكى على حال أمة كالقطيع يتناوب عليها الحكام دون أن يتغير حالها، بينما أهلها لا يملكون سوى مرارة الرثاء «استشهد الشرفاء الأنقياء.. أسفى عليك يا مدينتى التى لا يتسلط عليك اليوم إلا المنافقون، لمَ يا مولاى لا يبقى فى المزاود إلا شر البقر؟»، أو يستجيرون آملين «ماذا يجرى علينا لو تولى أمورنا حاكم عادل؟»، أو يندبون حظهم «ويل الناس من حاكم لا حياء له»، أو يكتفون بتشخيص الحال دون سعى للثورة عليه «فساد العلماء من الغفلة، وفساد الأمراء من الظلمة، وفساد الفقراء من النفاق».

فى «ليالى ألف ليلة» ستجد نفسك دون شك، ربما وجدتها مع شهريار الذى لم ينسه الترف أنه «كلما جاء الليل تبين لى أنى رجل فقير»، وربما وجدتها فى نصيحة الشيخ العابد «نحن نكابد أشواقا لا حصر لها، لتقودنا فى النهاية إلى الشوق الذى لا شوق بعده، فاعشق الله يغنك عن كل شىء»، وربما تمردت عليها مثل نور الدين «إنى مؤمن صادق العبادة، ولكننى ما زلت عاشقا لمخلوقات الله»، ربما دعاك أحد ذات مرة إلى الشراب فقلت له «رأسى ملىء بالدنان»، وربما هتفت مع قوت القلوب وصوتها يمزق القلوب «من عادة الدهر إدبار وإقبال.. فما يدوم له بين الورى حال»، وربما اجتاحك صوت الشيخ البلخى وهو يهتف بك «طوبى لمن كان همه هما واحدا، ولم يشغل قلبه بما رأت عيناه وسمعت أذناه، ومن عرف الله فإنه يزهد فى كل شىء يشغله عنه»، مع كل هذا وبعده ستشفق على الجهلاء الذين رموا نجيب محفوظ بالكفر، لأنك ستجد نفسك وقد وصلت معه فى آن إلى قمة الإيمان وقمة الحيرة، لا تسألنى كيف، ستصل بنفسك، وعندما تظن أنك وصلت وعرفت، سيأتيك صوت شهريار هادرا «الوجود أغمض ما فى الوجود»، ثم إنك صدقنى لو لم تخرج من (ليالى ألف ليلة) سوى بنصيحة صنعان الجمالى لإبراهيم العطار لكفاك: «لا تأمن لهذه الدنيا يا إبراهيم».

(أهديت هذه السطور من قبل إلى روح صديقى وأستاذى محمود عوض، واليوم أهديها إلى روح صديقى الحبيب الباحث الفذ حسام تمام.. اقرؤوا لهما الفاتحة).

نجيب محفوظ لم يحصل على نوبل .. نوبل هي التي حصلت عليه.


إذا قرأت سطور روايات نجيب محفوظ وطننت أنك تقرأه فأنت مخطئ، لأن هذا الساحر في بيانه يكتب الرواية بما خلف السطور، يدس الفحوى خلف المعنى، يخبئ المقصد خلف المراد، وفي قدرة عجيبة، لا يستطيعها إلا متجاوز، يقص القصة بغيرها لا بذاتها.
ليالي ألف ليلة وبما فيها من أجواء سحرية وعجائبية بل وفنتازية يقص نجيب حال الحكام والمحكومين.. وهل صلاح الحاكم يصلح الرعية أم أن صلاح الرعية يصلح الحاكم، وعن دور الشهوة والطمع في تحريك تاريخ الدول، عن المرأة والرجل، عن الخلود والفناء، عن.. عن.. عن.. لا تنتهي "عن" في كل مرة أعيد فيها قراءاتي لروائعه.

- إليك قول رجل مجرب قال : " من غيرة الحق أن لم يجعل لأحد إليه طريقًا، و لم يؤيس أحدًا من الوصول إليه، و ترك الخلق في مفاوز التحيّر يركضون، و في بحار الظنّ يغرقون، فمن ظن أنه واصل فاصله، و من ظن أنه فاصل منّاه، فلا وصول إليه و لا مهرب عنه، و لا يد منه".
عمل روائي يحمل رسالة واضحة لهؤلاء الذين نصبوا أنفسم حكّامًا لأفعال البشر: " هذا خطأ و هذا صحيح"، ثم يسخر الزمن منهم ليجدوا أنفسهم في نفس الموقف مستنكرين أن يتساووا مع بقية البشر!

و ليس هذا فحسب، بل إن الرواية مليئة من خلال قصص أصحابها بإسقاطات واضحة لقضايا مختلفة و لكن أظن أن جميعها تدور في فلك واحد، فلك " هوى النفس و جانب الشر و جانب الخير ".

من خلال محاكاة للأسطورة الفارسية البديعة " ألف ليلة و ليلة " تظهر لنا شخصيات نسجها لنا نجيب محفوظ مع بعض التفاصيل التي تجعل من حكاية شهرزاد و شهريار أجمل و مليئة بالقصص و الدروس أكثر.

سبع عشرة قصة لسبعة عشر بطلًا في هذه الرواية تعكس لنا صراعاتنا اليومية مع الملاك و الشيطان، مع الخير و الشر، فكل فعل صدر منا مؤكد أنه تعرض داخلنا للحيرة بين هذين الجانبين حتى استقر رأينا في الآخر على أحد الموضعين، فبعضنا - من وجهة نظر الكاتب - يختار الشر عامدًا مستمتعًا بقراره شاعرًا بالسيادة ناسيًا خالقه، و بعضنا يختار الخير لله و قصدًا لرضاه و تغلّب على نفسه و شيطانها بأعجوبة، و بعضنا يختار الشر صاغرًا مجبرًا بقوة و ظروف تضطره لهذا و هو لا يعلم أين المفر.

و هذا النوع الثالث كان موضوع الرواية و القصص داخلها دارت حوله، حتى هؤلاء الذين بدأت قصتهم و هو منتمون للنوع الأول، أصبحوا من النوع الثالث في نهاية القصة ثم النوع الثاني حين يقهر جانبه الأسود.
الرواية فلسفية للغاية و ممتعة جدًّا، فحين جعل نجيب محفوظ أقطاب الخير محددة في شخصية المجنون و الماردين قمقام و سنجام و الشيخ عبد الله و أقطاب الشر يمثلها هذان الجنيان اللذان لا أستطع نطق الاسمين بوضوح .

أصبحت الرواية أمتع و أكثر وضوحًا، فترى الشخصيات في مشاكلها في حيرة، أتستجيب لهؤلاء أم لهؤلاء؟!
و أظن أن شخصية شهريار عكست لنا حيرة البشر الأزلية، فهو في حيرته متفكرٍّا معاني الخير و الصدق و الحقيقة من خلال قصص زوجته و من خلال تجواله اليومي، كان يعكس شخصية الإنسان الأزلية، ثم الأجمل فعلًا كان كامنًا في نهاية الرواية، حيث أعاد الكاتب صياغة قصة سيدنا آدم عليه السلام من خلال شهريار لتُعطى له فرصة البدء من جديد في جنة حقيقية ثم...
أظن أني لا أحبذ حرق الأحداث و أتمنى من كل قارئ أن يقرأ النهاية بتأنٍ و يفهم رسالة الكاتب بوضوح، و المقطع الذي بدأت به المراجعة كان آخر كلمات في الرواية بعد أن استجاب شهريار لنفس النداء الذي استجاب له سيدنا آدم عليه السلام.

و لكن أريد توضيح نقطة قد تكون قليلة الأهمية ، رأيت بعض القرّاء قد صنّفوا العمل ك " مجموعة قصصية "، مما جعلني أندهش لإن هذا عكس المكتوب على الكتاب، ثم بعد القراءة تبينت أنها رواية و لكن مكتوبة بتقنية أدبية شبيهة بالقصة القصيرة، و لكن لا هي رواية لها خيط أحداث متصل و الشخصيات ثابتة، ريما جعل الكاتب من كل فصل عنوان باسم بطل الحكاية و لكن هذا معتاد في أدب نجيب محفوظ كرواية المرايا و أفراح القبة و حديث الصباح و المساء، فهي ليست قصص و لا حكايات، هي رواية لها سرد و حبكة و بناء درامي متناسق محبوك بقوة و لكن العمل مُستوحى من حكايات ألف ليلة و ليلة كما أن الكاتب قد آثر هذا الأسلوب ليعكس رسالته " الصراع بين الملائكة و الشياطين " بوضوح، و ليبين تباين ردود الأفعال في كل تجربة بشرية على حدة.

تمت.
يوليو ٢٠١٧

تقـول أمى : " إن نجيب محفوظ ، ولا شك ، أحـد شياطين وادى عبقـر ".
تبدو الدهشة على وجهى " لماذا يا أمى تقولين هذا ؟ "
فترد " هل قـرأت ليالى ألف ليلة ؟ " .. أهز رأسى أن نعم ..
فتقـول " كيف يصـف كل هـذا إذن ؟! "

حسنًا ، لقـد فكرتُ فى هذا بالفعـل .. تخيّلته مـرارًا وهو جالس على قبّة أحـد المساجد وفى يده مذكرة صغيـرة يدوّن فيهـا ما يـراه حوله .. الجنيّان ( قمقام ) و صديقه ( سنجام ) يتحاوران فى أمـور الخلق .. الجميلة ( قوت القلـوب ) تجلس أمـام المرآه تضفّـر شعرها .. ( شهـرزاد ) تجلس على حافـة السرير ، و( شهريار ) يجلس أمامها واضعًا يده على ذقنه منصتًا بتركيـز .. كبير الشرطة ( جمصة البلطى ) ووراءه جنوده يقتحمون منازل أحد المعارضين ويقتاده إلى ( النطع ) ليقطع رأسـه .. الشيطانان ( زرمباحة ) و ( سخربوط ) يحيكان الحيل لإثارة الفتن .. ( نور الدين ) و (دنيازاد ) يتقابلان فى حلمهما ليتشكّل حبهما الوليـد ..

ملحمة رائعـة من الزمن الجميل ..
ملحمة تناطح ( الحرافيش ) و( أولاد حارتنا ) ، وحتى ( الثلاثية ) وتأخذ مكانًا مميـزًا بين كل ما كتـب ( نجيب محفـوظ ) ..

هذه الرواية أستطيع ان اقول انه هي جزء أو سيناريو اخر ل كتاب الف ليلة وليلة من قصة شهريار وشهرزاد، وهي لمسة خاصة وفريدة من قبل كاتب كبير نجيب محفوظ.
تستطيع ان يكون الشخصيات في الرواية هي قصص من كتاب الف ليلة وليلة ولكن هي في حياة واقعية لمملكة شهريار والأشخاص الذين في حياته، وهي ايظا قصص عن الشر والخير وكيفية نفوس داخلية للإنسان وتأثر في الشر والوقوع في إغراءات الشيطان، الجميل في الرواية هي كيفية تغلب الخير على شهر بطريقة شبه معقدة أو غير متوقعة وبالتاكيد فيه سرد جميل من حبكة درامية من الكاتب وكمية بساطة في قصص ولكن ب معاني كبيرة ودروس مفيدة للحياة.
اجمل جزء في الرواية والذي اعتبره ملخص كبير للكتاب وايظا نصائح وعبر من ماضي وهي ايظا للحاظر ونستفاد منه في المستقبل هي (سندباد) تعلمنا دروس عديدة في الحياة وهي يجب ان نقع كي نتعلم ونحمد الله على كثير من نعم الذي لا يوجد عند الغير، وعن عادات وتقاليد يجب النظر به في كل زمن نعيشه وليس كل شيء قديم هو جيد، رواية ممتعة ولن تمل من قراءة على رغم بعض أشياء خيالية ولكن مفيدة.


شوان مجيد

تبدأ أحداث الرواية بعد أحداث قصص ألف ليلة وليلة حيث يوافق شهريار أخيرا على شهرزاد كزوجة له وتسود الفرحة في البلاد لتوقفه عن قتل البريئات، ونبدأ نتابع أحداث المدينة التي تشبه في غرابتها وسحرها قصص شهرزاد، هي مدينة تسيطر عليها العفاريت والجن وتتقلب أحوالها بسبب فساد الناس. كل فصل فيها عن شخصية مختلفة من السكان ما بين المؤمن والشرير والتائب واللئيم،

بعض الفصول كانت مملة وبعضها تمتعت بالحس الصوفي الذي لا أقرأه كثيرا ولكن الكثير منها جمعت بين السحر والعبرة والحبكة البارعة. أزعجني فيها قصر بعض الفصول على حساب فصول أخرى كانت أطول ولم أر سببا لطولها، ولكنها ككل تجربة رائعة، حتى وإن لم أقرأ ألف ليلة وليلة، فقد استمتعت بطريقة محفوظ في تجسيد بعض شخصياتها مثل سندباد وعلاء الدين في سياق مدينته.

تتمة ذكية لأشهر الحكايات بالعالم، حكايات ألف ليلة وليلة

عن حال السلطان شهريار نفسه بعد الألف ليلة وتأثير الحكايات عليه..وكيف سيواجه العجائب والغرائب التي خرجت من فم شهرزاد إلي عالمه الحقيقي

n  ��قد تعجبه الحكاية وهي بعيدة، أما أن تقتحم داره وتتعامل معه فشىء أخر”n

وعن رعاياه، اهل البلد وتأثير تلك العجائب التي تختبر نفسية ومعادن البشر

يقدمها عمنا النجيب بأسلوبه..يمزج احوال الحكم وسياسات الحكام بالفانتازيا والصوفية، فلسفة وجودية وعبثية، وحتي عفاريت الجان المؤذية علي غرار المسرحيات الشيكسبيرية

n  “دهمتنا العجائب الغامضة وقد علمتنا الأيام والليالي أن نخص العجائب باهتمامنا وأن ندق باب الغموض حتي تفتح مصاريعه عن الضياء”n

لتبدأ قصص عن الخطايا البشرية، الطمع والشهوة والغيرة وحب السلطة والظلم والنفاق، شياطين الجان وحقدهم علي البشر.. ومن يتبع هؤلاء الشياطين ومن يعرض عنهم

***** الحكايات *****

تبدأ فور انتهاء الليلة الأولي بعد الألف...حيث سيبدا السلطان في تغيير حقيقي من كونه سفاحا للعذاري واصحاب الرأي لحاكم عادل
لينتقل فورا لاحوال البلد التي تشبه حارات عم نجيب بساداتها وحرافيشها، حكامها وشرطتها الباطشة...وشيخها الجليل

صنعان الذي اراده جني طيب ان يكون بطلا لكنه استسلم لشهواته

وجمصة البلطي كبير الشرطة الفاسدة الذي وافق ان يتوب ويصير بطلا فنجي من الموت بأعجوبة

وصار عبد الله الحي وجمصة الميت بنفس الوقت...فهل سيتعظ ام يقع في خطيئة الغضب والكبرياء

سخربوط وزرمباحة ...ارواح العبث.. يتلاعبان بقصة حب بين ساحر العطور نور الدين وأخت شهرزاد دنيازاد في ملحمة عاطفية عبثية ظريفة كقصص شيكسبير


ومغامرات عجر الحلاق الطماع الذي ينظر دوما لما في يد غيره

وحكاية انيس الجليس التي أفشت الشهوة وخطيئة الدعارة الخاربة للبيوت في قلوب رجال الحي

وحكاية لغز قوت القلوب ومن قتلها في قصة خيانة وكذب

وقصة علاء الدين المشتت بين تعلم الدين و الجهاد والثورة ضد الحاكم الظالم


وماذا يفعل السلطان نفسه عندما يري ظلم حكامه الذين وثق بهم

ولا يكف سخربوط وزرمباحة في اغواء اهل الحي لتحريضهم علي قتل الشيخ المؤمن، تارة بطاقية الاخفاء وتارة بخاتم سليمان

فهل ينجح فضل ومعروف الاسكافي في تجنب الاغواء أم سينساقوا وراء رغباتهم التافهة

n  “عشت عمري أصلح النعال حتي استقر الأصلاح في دمي”n

ثم يأتي السندباد بحكايا أسفاره وما استفاده منها في قصة بعيدة عن الخطايا بل عن السعي والحركة، عن الحرية ورفض الاستعباد، عن عدم التمسك بالتقاليد البالية، عن اهمية عدم الانخداع بالوهم، الاعتدال وعدم الاسراف..واذا اتيحت لك معجزة ان تحسن استخدامها ولا تستكبر بها


فهل ينسي السلطان الماضي ويتوب فعلا ويتعظ الجميع بكل الحكايا التي تمر بهم وينصلح حال البلاد
هل سيستجيب لثورة قلبه ويصلح الحكم؟

ام ان آفة حارتنا ستظل النسيان

***** النهاية *****

n
هي قصة ألف ليلة وليلة من منظور اهل البلد

الإبداع هنا ان الثلاثة عشر قصة -بعد الثلاث بالبداية كمقدمة للشخصيات- تبدو لك كحكاية واحدة متصلة

نعم بها روح حارات نجيب محفوظ، بفتوات وحكام الاحياء الظلمة...ولكن القصة هنا افضل علي الاقل بنهاياتها

لم يرق لي نهايات اخر قصتين...خاتمة الحكاية نفسها كانت بها لمحات صوفية غامضة ، ومباشرة فجة بنفس الوقت في الوعظ
ولكن بالمجمل هي رحلة مختلفة تمزج ببراعة حكايات الف ليلة وليلة مع اسقاطات سياسية ذكية عن الشرطة والحكام والثوريين وحتي المفتي الذي دوما يلقي اللوم في تأخر البلاد علي عوامل خارجية

n  “واجتاحت الحي حوادث غامضة [.....] فقال الحاكم
-اعتقد ان المسألة أخطر مما تفترض، ما رأيك يا شيخ عبد الله؟
فأجاب الرجل بأقتضاب
-ينقصنا الإيمان الصادق
-ولكن الناس مؤمنون
فقال بأسي
-كلا الإيمان الصادق أندر من العنقاء
عند ذلك قال المفتي بصوت أجش
-ثمة من يمارس علينا السحر الاسود، ولا أتهم إلا الشيعة والخوارج”n

تمزج ايضا بين الواقع والخيال وقصص الجان مع قصص حب وخيانة وألغاز..فلسفية عن الوجود والعبث ..بأجواء صوفية عجيبة ، لتكون تتمة ذكية لأشهر الحكايات...بنهاية مستمرة لا تنتهي بصياح الديك وطلوع الصباح


محمد العربي
من 20 يناير 2019
الي 25 يناير 2019

في جو خيالي ساحر بعد الليلة الألف وواحد بعدما تنضب حكايات شهرزاد ويهتدي على يدها شهريار من سفك الدماء يصور محفوظ حي به اشكال والوان من الناس تلعب فيه العفاريت الاعيبها وتوسوس لهم انفسهم ولا يتوقف شلال الدم والفساد الذي يقع فيه الحي.

الرواية عظيمة بكل المقاييس لماذا؟
1- ستجد لغة محفوظ العذبة وحكمته البسيطة وفلسفته عن الحياة ملقاه في الرواية كلها محفوظ قادر على توصيل كل هذا في سطور قصيرة وبليغة.

2-لاحظت ان محفوظ ادخل في شخصياته الخطايا السبع المميته فستجد مثلا في شخصية عجر الحلاق الطمع وشخصية جمصة البلطي الغرور وهكذا..
3-الرواية بها صراعات ازلية مثل الصراع بين الخير والشر والحياه والموت وصراع بني آدم مع نفسه..

4-فوق كل هذا ستجد قصص ممتعة مضحكة وموعظة تجعلك لاتطيق ان تترك الرواية من يدك..

لاشك انها من اعظم ماكتب نجيب محفوظ الذي لايتوقف ان يفاجئني بعد كل عمل بعظمته...

في منتصف قراءتي جاء في بالي هذه الاغنية اللطيفة من اغاني سبيستون وقد شعرت انها تعبر جدا عن الرواية:

في عالم من الصور
حكاية فيها عبر
تغوص في بحر الخيال
وتنتقي منه الدرر

في الشرق حينا والجنوب
في الغرب أو نحو الشمال
نعيش في كل الشعوب
نجوب آفاق الجمال

في قصة تروي الكثير
الخير شمس لا تغيب
تظل في الدنيا تنير
والشر يبقى في المغيب

فهي رواية مليئة بالقصص العجيبة والجميلة،
في البداية كانت مملة قليلة وكنت اتوه وسط أسامي الشخصيات لكن اندمجت معها فيما بعد،

قراءة موفقة

أين من اتهموا نجيب محفوظ بالإلحاد؟ أين من نعتوه بالكفر؟ من هذه الرواية التى تدحض أى إدعاء على سيد الرواية العربية
فى هذه الرواية تتجلى فلسلفة نجيب محفوظ، إيمانه العميق بالحب، وإيمانه حباً بالله، كرهه للفساد والنفاق والكذب والرذيلة والجهل والتواكل
فساد العلماء من الغفلة، وفساد الأمراء من الظلم، وفساد الفقراء من النفاق.
فلا تكن من قرناء الشياطين
ومن هم قرناء الشياطين؟
أمير بلا علم، وعالم بلا عفة، وفقير بلا توكل، وفساد العالم فى فسادهم
هنا يُلخص محفوظ أزمات أمتنا وأى أمة ابتليت بأمراض أمتنا، ففساد الراعى من فساد الرعية فقال تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الله العظيم، فابتلاء الله لنا بحكامنا، ما هو إلا عقاب أو جزاء وفاقاً لشرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
من رُزق ثلاثة أشياء مع ثلاثة أشياء فقد نجا من الآفات، بطن خال على قلب قانع، وفقر دائم مع زهد حاضر، وصبر كامل مع ذكر دائم
n  n
هنا ستهيم مع محفوظ فى دنيا الله وخلق الله سترى صنوف البشر فى أمواج أمامك وستبقى فقط صورة العابد الزاهد القانع متمثلة فى الشيخ عبدالله البلخى والمجنون ستتحير إذا ما كان نجيب محفوظ أحد أولئك الزاهدين وأعتقد أنك ستهتدى للإجابة بنعم فى النهاية.
n  n
هنا حوار رائع بين العفريت سنجام وجمصة البلطى كبير الشرطة يُعطى فيه العفريت درساً قاسياً لكبير الشرطة فى كيفية صون كرامة الناس مع حفظ أمنهم وحقوقهم وليس تنفيذاً حرفياً غبياً لأوامر الرؤساء والحكام والأمراء.
n  n
من أراد العز بغير الله هلك ومن سلك طريق الله عز .. هنا ينقذ المجنون المُستهدى بنور الله الملك وأعوانه من فضيحة التسلل لمنزل الغريبة التى أغوت كل رجال الدولة من كبيرهم وحتى صغيرهم وهى فى النهاية وهم لا يدوم ولم ينل أى منهم منها أى شئ سوى خروجهم عرايا فى الليل متسترين بغطاء من الله من فعلتهم، والإسقاط السياسى هنا مسموح به وواضح لا يحتاج لشرح أو تفصيل.
n  n
يؤمن الفيلسوف نجيب محفوظ بالإنسان وبقدرة الإنسان على ردع شرور نفسه وإصلاح عيوبه والحفاظ على هويته وإصلاح حال الدنيا بصلاح ذاته وبالتكفير عن ذنوبه مهما بلغت فداحتها.
n  n
سأترككم هنا ودون تعقيب مع خاتمة الرواية وخاتمة المراجعة.