...
Show More
كان هو رَبٌ البيت. مركزه الذي تبدأ عنده كُل حكاية وتنتهي. رهبته المزروعة في نفوس أهل بيته تمحق شخصياتهم بقسوة. وهَيْبَته المُروّعة تجعله دومًا حاضرًا -حتى في غيابه- في جميع تفاصيل حياتهم. داخل حدود المنزل؛ لا رادّ لقضائه ولا مُعقّب لحُكمه. ولا وسيلة للهرب من سُلطته سوى بالموت أو بالزواج.
كيف يُمكننا -مع رجل كهذا- أن نفلت من نفوذ سطوته!
لقراءة المراجعة كاملة مع استعراض للشخصيات الذكورية الأنثوية ونماذج الشخصيات الأنثوية في الرواية بشكل تفصيلي و بشكل مُنسّق مُطعّم بالصوّر - اضغط على هذا الرابط
رواية "بين القصرين" – الجزء الأول من ثُلاثية القاهرة، هي أشهر أعمال الروائي المصري نجيب محفوظ، بل ولعلّها الأكثر اكتمالًا. الرواية من الأعمال التي اتفق على جودتها أكثر الأدباء والنُقّاد والقُرّاء العرب بل والأجانب أيضًا. بالإضافة إلى القُرّاء، يكاد لا يوجد شخص عربي لا يعرف الشخصية الأيقونية لبطل الرواية السيّد أحمد عبد الجوّاد الشهير بـ "سي السيّد" وليس ذلك بغريب بعد أن عُرضت الرواية على شاشة التليفزيون سواء كفيلم أو كمسلسل، بتجسيد بديع للأدوار وبخاصة دور بطل الرواية.
البعض يرى أن الرواية العربية التقليدية هي رواية بطيئة، خالية من الأحداث أو التشويق، يسيطر عليها الحشو واستعراض المهارات الأدبية واللغوية بحيث يكون التركيز على جمالية اللغة لا على مضمون الرواية وأحداثها. في الواقع قد يكون ذلك حقيقيًا في الماضي، فهو تطوّر طبيعي للخط الزمني لتطوّر أدب الرواية بشكل عام. فالروايات الأجنبية (الكلاسيكية) كانت بنفس الوتيرة المُملّة -في عُرفنا الحالي- تلك الطريقة التي كانت مقبولة في زمن ماضٍ. لكن هل كانت رواية "بين القصرين" -برغم الإسهاب وبُطء الأحداث- رواية مُملّة؟
قد تتفاوت الآراء تجاه الإسهاب الواضح في الرواية، سواء في التوسّع في الأساليب الوصفية، أو في التعمّق في الحوارات الداخلية، والذي أدّى إلى أن تظهر بعض الأحداث ممطوطة، مما تسبّب في خلق حالة من الملل -في بعض المواضع- لدى بعض القُرّاء. لكن من النادر أن نرى قارئًا توقّف عن قراءة الرواية وانفضّ عنها بسبب ذلك. هناك سحرٌ ما في مكونات الأسلوب الأدبي الذي استخدمه نجيب محفوظ في كتابة هذه الرواية تحديدًا، سحر يدفع القارئ إلى الاستمرار في قراءة الرواية حتى صفحتها الأخيرة.
كتب نجيب محفوظ رواية ”بين القصرين“ بحسٍ فلسفي رائع وبروح صوفية واضحة وبأسلوب أدبي فريد. تشبيهاته جاءت مُبهرة، ووصفه -رغم إسهابه- كان بديعًا. يجد القارئ نفسه كثيرًا يقرأ التشبيهات -غير المُعتادة حينها- مرتين وربما أكثر من أجل تأملها والاستمتاع بها. لكن هذا لا يعني أن الإسهاب لم يكن مُزعجًا. أيضًا كانت الوقفات والانتقال بين المشاهد كان طويلًا يفقد معه القارئ تركيزه وارتباطه بالأحداث.
رواية بين القصرين من أجمل الروايات العربية موضوعًا ولُغة وفِكرًا. مثّلت مرآة حقيقية لشريحة واسعة من المُجتمع المصري (والمجتمعات العربية المُشابهة)، أجبرت معها القارئ مواجهة الزيف الكائن من حوله في المُجتمع كما أرغمته على إعادة التفكير في تصورات ظنّ الكثير أنها مُعتقدات غير قابلة للمساس بها أو التفكّر فيها. هي رواية كما ينبغي أن تكون.
أحمد فؤاد
30/9/2022
الثلاثون من سبتمبر أيلول 2022
كيف يُمكننا -مع رجل كهذا- أن نفلت من نفوذ سطوته!
لقراءة المراجعة كاملة مع استعراض للشخصيات الذكورية الأنثوية ونماذج الشخصيات الأنثوية في الرواية بشكل تفصيلي و بشكل مُنسّق مُطعّم بالصوّر - اضغط على هذا الرابط
رواية "بين القصرين" – الجزء الأول من ثُلاثية القاهرة، هي أشهر أعمال الروائي المصري نجيب محفوظ، بل ولعلّها الأكثر اكتمالًا. الرواية من الأعمال التي اتفق على جودتها أكثر الأدباء والنُقّاد والقُرّاء العرب بل والأجانب أيضًا. بالإضافة إلى القُرّاء، يكاد لا يوجد شخص عربي لا يعرف الشخصية الأيقونية لبطل الرواية السيّد أحمد عبد الجوّاد الشهير بـ "سي السيّد" وليس ذلك بغريب بعد أن عُرضت الرواية على شاشة التليفزيون سواء كفيلم أو كمسلسل، بتجسيد بديع للأدوار وبخاصة دور بطل الرواية.
البعض يرى أن الرواية العربية التقليدية هي رواية بطيئة، خالية من الأحداث أو التشويق، يسيطر عليها الحشو واستعراض المهارات الأدبية واللغوية بحيث يكون التركيز على جمالية اللغة لا على مضمون الرواية وأحداثها. في الواقع قد يكون ذلك حقيقيًا في الماضي، فهو تطوّر طبيعي للخط الزمني لتطوّر أدب الرواية بشكل عام. فالروايات الأجنبية (الكلاسيكية) كانت بنفس الوتيرة المُملّة -في عُرفنا الحالي- تلك الطريقة التي كانت مقبولة في زمن ماضٍ. لكن هل كانت رواية "بين القصرين" -برغم الإسهاب وبُطء الأحداث- رواية مُملّة؟
قد تتفاوت الآراء تجاه الإسهاب الواضح في الرواية، سواء في التوسّع في الأساليب الوصفية، أو في التعمّق في الحوارات الداخلية، والذي أدّى إلى أن تظهر بعض الأحداث ممطوطة، مما تسبّب في خلق حالة من الملل -في بعض المواضع- لدى بعض القُرّاء. لكن من النادر أن نرى قارئًا توقّف عن قراءة الرواية وانفضّ عنها بسبب ذلك. هناك سحرٌ ما في مكونات الأسلوب الأدبي الذي استخدمه نجيب محفوظ في كتابة هذه الرواية تحديدًا، سحر يدفع القارئ إلى الاستمرار في قراءة الرواية حتى صفحتها الأخيرة.
كتب نجيب محفوظ رواية ”بين القصرين“ بحسٍ فلسفي رائع وبروح صوفية واضحة وبأسلوب أدبي فريد. تشبيهاته جاءت مُبهرة، ووصفه -رغم إسهابه- كان بديعًا. يجد القارئ نفسه كثيرًا يقرأ التشبيهات -غير المُعتادة حينها- مرتين وربما أكثر من أجل تأملها والاستمتاع بها. لكن هذا لا يعني أن الإسهاب لم يكن مُزعجًا. أيضًا كانت الوقفات والانتقال بين المشاهد كان طويلًا يفقد معه القارئ تركيزه وارتباطه بالأحداث.
رواية بين القصرين من أجمل الروايات العربية موضوعًا ولُغة وفِكرًا. مثّلت مرآة حقيقية لشريحة واسعة من المُجتمع المصري (والمجتمعات العربية المُشابهة)، أجبرت معها القارئ مواجهة الزيف الكائن من حوله في المُجتمع كما أرغمته على إعادة التفكير في تصورات ظنّ الكثير أنها مُعتقدات غير قابلة للمساس بها أو التفكّر فيها. هي رواية كما ينبغي أن تكون.
أحمد فؤاد
30/9/2022
الثلاثون من سبتمبر أيلول 2022