...
Show More
كل هذا لم يكن يسبب لجوناثان أي ضيق. فهو لا يبحث عن الرفاهية. بل عن مأوى مستقر يكون له. له وحده. يحميه من المفاجآت المزعجة في هذه الحياة. مأوى لا يمكن لأي كان أن يطرده منه.
Eror404
هذا هو ما واجه جوناثان نوبل بعد استغراقه في حياته الرتيبة التي نسجها بعناية داخل شرنقته التي صنعها بنفسه و أعانه عليها قوم أخرون. حتى حركاته خارج هذه الشرنقة كانت محسوبة بدقة و لها سقف لا يمكن تجاوزه.
لقد أجرى ذات مرة عملية حسابية سريعة خلص فيها إلى أنه حتى يوم تقاعده سيكون قد أمضى خمسا و سبعين ألف ساعة واقفا على هذه الدرجات الرخامية الثلاث. و بهذا سيكون حتما الإنسان الوحيد في باريس و ربما في فرنسا كلها الذي قضى كل هذا الوقت واقفا في المكان نفسه.
كل ما أراد هو أن يبقى في سلام و طمأنينة بعد أن أذاقته الحياة مرارتها و قلبت له ظهر المجن أكثر من مرة في مقتبل عمره. و ما إن فاء إلى الظل و استقر فيه حتى استمرأه و قرر ألا يغادره أبدا بل يلف لفه و يجاري دورانه مهما بلغ به المقام من رتابة و ملل.
لم يستدن مالا من أحد في حياته. و لم يكن يوما عالة على أحد. و لم يمرض حتى يوما واحدا. أو يكلف صندوق الضمان الإجتماعي و لو فرنكا واحدا. و لم يسبق له أن آذى أحدا. أبدا. و لم تكن له أية أمنية في هذه الحياة أكثر من أن يتمكن من تدعيم و صيانة سلام و طمأنينة روحه المتواضعة.
و لأن الحياة ليس بها زر الهروب الشهير أو أمر الإرجاع للخلف المرموز له بكنترول زد. فإن جوناثان لم يستطع التصرف أبدا أمام حمامة حُبست أمام بابه فحبست أفكاره و حبسته هو شخصيا ليجتر كل ماضيه محاولا الإفلات من أسر الحياة بالإفلات من الحياة نفسها. و عندما واجه كل عجزه و تردده و قلة حيلته انفكت الأزمة تاركة نورا في نهاية الرواق. نورا قد يعمي العين أو يضيء لها ما تبقى من الطريق.
ببساطة بدا عاجزا عن التعبير عن نفسه بالأفعال أو بالكلمات. إنه لم يكن فاعلا أبدا. و إنما كان متلقيا صبورا.