رواية بديعة ستجعلني أقرأ مرة أخرى لإبراهيم عبد المجيد وأبحث عن باقي رواياته .. سرد ساحر بإيقاع سلس غير متكلف وإن كان جذاباً يأسرك بسرعة ويشدك لتنهي قراءة الرواية قبل أن تنتبه .. الموضوع هام جداً وغير متداول بكثرة في الأدب المصري ولا أعرف لماذا رغم أنه يمس ملايين المصريين الذين عاشوا وعملوا في بلاد النفط والصحراء بما فيها من متناقضات وغرائب وتعقيدات وبتشكيلاتها المتناقضة من مختلف الجنسيات والثقافات والأديان .. عن الصدمة الثقافية التي تصيب المصريين المغتربين والتناقض الحضاري بين مصر وبلاد الخليج خاصة في عصر ما قبل السموات المفتوحة
أن تكون جزء من لعبة بدأها أبوك وأقحمك بها رغما عنك ، أن تغتال أحلامك بيديك أو تتركها تموت أمام عينيك ، أن يضيق الوطن فيلفظ أبناءه طاردا إياهم لبلاد تتجهمهم ، تحيطهم بشباك الموت في كل لحظة ، أن تفرغ نفسك من كل شيء فتصير آلة لجمع المال بعد أن صرت وقودا لحياة آخرين ، أن يكون قرارك بالعودة لوطنك ليس مؤكدا رغم مرارة (الغربة) .. كل هذا يصوره لنا إبراهيم عبد المجيد ببراعة في رواية هي أفضل ما قرأت له حتى الآن ، أراها تتفوق على ثلاثيته الشهيرة .. رواية
هنا أرض تأبى إلّا أن تمسك بما يسقط فيها ولا تتركه . إذا تمرّد تقتله . بضربة قَدَر أو حظ عاثر أو خطأ ساذج تقتله . تقتله في كل الأحوال . القتل هو الغاية .
قطيعة غريبة تحدث بين العائدين إلى بلادهم وبين هذا البلد . منذ البداية تبدأ القطيعة فلا أحد يأتي هنا إلّا ليعود .
يفهم الروايه بشكل اكبر من سبق له الاقامه بالخليج للعمل وبالذات بالسعوديه، اكيد كانت هناك صدمه اجتماعيه نفسيه ﻷختلاف البيئة والمجتمع الثقافي، بالطبع كانت هذه الصدمه في اوجها لبطل القصه وهو الكاتب نفسه العاشق لﻷسكندريه ، اكيد تجربة سفر ابن المدينه الكوزموبوليتيه لمرينه احاديه الثقافه والفكر كانت صادمه، فأبناء المياه الﻻزورديه ﻻ يستطيعون العيش في بلاد الرياح الصفراء القفر.هل المفكرون المصريون مثل طه حسين وزكي نجيب محمود كانوا علي حق في انتساب مصر اكثر لثقافة البحر المتوسط؟ اﻷجابه تحمل نعم جزئيا وليس بالكليه
قرأت هذه الرواية مرتين .. مرة في حبيبة قلبي الإسكندرية .. ومرة خارج الوطن .. وفي كل مرة طعم مختلف فرحلة الإغتراب تنكأ الجراح كلما بعدت المسافة .. "تبوك تنسيك أمك وابوك" .. ولكن البلدة الأخرى رغم طعم الرمال والملح في تجربة الغربة التي ترويها تستطيع أن تسدعي روح الوطن في قلب من يعيش خارج الحدود