...
Show More
ترجمة "جواد صيداوي" ذات الهوية البصرية الخاصة بالطبعة الثالثة لدار "هاربر كولينز", بعنوان "الخيميائي" والتي كتب على طرفها: "الطبعة العربية الأصلية", وطبعت لتنتشر في كل ربوع مصر. في مقابل ترجمة "بهاء طاهر" التي يحمل غلافها الهوية البصرية للطبعة الأولى من نفس الدار بلون رمل الصحراء يبرز أعلاها كلمتا "ساحر الصحراء" أضيف فوقهما كلمة "السيميائي" بداية من الطبعة الثالثة.
وإني أتذكر جيداً ذلك الفتى الغِر, وهو ينظر إلى يده التي كانت تمسك بعدة كتب عتيقة, وعيناه تلمعان حماساً. فقد حصل لتوه من أحد أقرباءه على صفقة جيدة من الكتب النادرة
وكان الاستثناء الوحيد هو كتاب صغير ذو غلاف أحمر لم يمانع في استعارته لكثرة ما سمع عنه.
ومن فرط حماسه, لم تزغ عينيه عن كتبه عندما استدرك قريبه ناصحاً بترجمة أخرى من ذلك الكتاب الأحمر, ولم يتذكر الغِر اسم المترجم الآخر لاحقاً سوى بصعوبة شديدة وبعد محاولات عدة على فترات مختلفة للتذكر. ولربما لم يكن ليتذكر الاسم لولا أنه كرر الاسم بصوت عالي, وهي طريقة كان يتبعها الفتى ليظهر لمن أمامه أنه يفكر في الشيء الذي يردده. ردد كثيراً لكنه لم يستطع حينها التذكر, فهز كتفيه محاولاً إقناع نفسه بأن التذكر لم يكن ليفيده بشئ, فلديه كتاب ورقي في مقابل آخر يحتاج لبذل مجهود للبحث عن نسخة ورقية منه, ولشد ما كان يكره ان يبذل مجهود دون داعٍ لذلك. والنسخة الورقية أفضل حتماً من نسخة إلكترونية قد يجدها على الانترنت. كلها ترجمات وكله ماشي.
ظل هكذا حتى أفقدت كلمات الصفحة الأولى الفتى الغِر عذريته الساذجة, وتحت وطأة أولى كلمات الكتاب الأحمر والتي ترامت كهجوم لأحد عمالقة هاجيمي إيساياما, بلهاء على غير هدى. تحول الحادث لأحد كوابيسه, حتى أن الفتى قد قرر تسمية تلك التجربة بفتنته الصغرى.
ذات ليلة تذكر الفتى الغِر ذا العيون الناعسة دائماً, أنه لربما كان نائماً حينما حدث ذلك, ففي الأحلام لا يستطيع الإنسان قراءة كتاب جديد, فهو يرى مجرد حروف مبهمة. ولكن الفتى سرعان ما نفض عنه تلك الأفكار التي بدت له تفسر الكثير. أغمض عينيه ليريحها قليلاً ولعن الأفكار التي سقته إياها دي سي كومكيس: "اللعنة, فالفتنة لا يمكن أن تكون وهماً, فهي حدثاً مستمراً, وتمت على مراحل كثيرة"
كانت الفتنة تحمل ملامح كثيرة, غروب الشمس على غلاف الرواية, ولونها الأحمر, وثقة الناشر العربي المفرطة, وحيرة الفتى أمام الكلمات التي كانت تبدو مبعثرة علي الورقة. والملمح الأكثر غرابه كان إصرار الفتى لاستكمال ما بدأه في هذه النسخة الورقية وأبت الفتنة أن تحفظ له أياً من ماء وجهه.
فبعد جهده الجهيد لتذكر اسم المترجم, استخدم الفتى الاسم ليبحث عن الترجمة على الانترنت لكنه لم يستطع الوصول لها. وكان هذا هو الرفض الأول من ترجمة طاهر.
ماذا عن نسخة ورقية؟ لقد كان هذا مستحيلاً عليه؛ فالترجمة قديمة. لثاني مرة تتمنع ترجمة طاهر عن وصال الفتى.
وما كاد يتخلى الفتى الغِر ذا العيون الناعسة المجهدة عن البحث, حتى برز له صدفة أحد مراجعات الكتاب التي أخبرته بسر التجلي الخاص بها. فلقد كان لها اسم آخر تخفيه عن الفتى, اسم لديه ما يكفيه من الإغراء: "ساحر الصحراء".
قام الفتى بتحميل الترجمة, وشرع في قراءتها حتى انتبه على صدمه لم يكن ليتوقعها, لقد اندمج الفتى في القراءة من الكتاب الإلكتروني الذي يقرأه على شاشة الحاسب, في حين أنه لم يستطع قراءة أكثر من صفحة من النسخة الورقية التي كان لها طعم القيء. إذاً أين هو السحر الذي يميز قراءة الورق والذي طالماً آمن به بصدق ويقين!!
لقد كانت معتقدات الفتى تتهاوى أمامه, ولكنه لم يكن ليستسلم بسهوله, فتح كتابه الورقي محاولاً إمساكه باعتزاز. لكن الأمر كان أسوأ من المرة السابقة, لم يصادف جملة واحدة رضي عن طريقة ترجمتها, مقارنة باللغة السلسة لنسخة طاهر, كما أنها كانت مليئة بالأخطاء.
وهنا اشتعل قبس من نور داخل الفتى, شعلة جديدة تزيد الأجواء سخونة. معتقد آخر, وعالم جديد من الكتب الإلكترونية
أكمل الفتى باقي الرواية من ترجمة طاهر, رغم أن الشك والحيطة كانتا تتناوبان عليه أحياناً, فيعود للترجمة الحمراء لعمل مقارنة بين الترجمتين
وفي نهاية الرواية, كان الفتى قد انتقل لمذهب جديد, مذهب البي دي اف, وهي صيغة الكتب الإلكترونية الأكثر انتشاراً حينها!.
وبعدما أنهى الفتى الكتاب, أراد نشر أحد الاقتباسات التي أعجبته, ولكن يا للدهشة أصابه الكسوف والخجل منه. فبحث عن المقطع الذي أراده في نسخة باللغة الأصلية, واكتفى بنشر الاقتباس بالنص المبهم, بجانب جملة بالعربية نصها: "صدق اللي قال عنها إنها رواية ممكن تحول مسار حياة أي حد يقرأها :)", مع تقييمه لها بخمس نجوم. لقد كان فتى طيباً ومتفائلاً جداً في ذلك الوقت, كان الفتى غراً وأغراه الكنز. وإن سألتم الفتى الآن عن رأيه في الكتاب, لرد بامتعاض واستخفاف بأنه مجرد هراء تنمية بشرية في غلاف رواية مسلية, ولن تفيدك بشئ إذا لم تكن متفائلاً من البداية. فالعالم لا يتآمر ضدك ليوصلك للكنز.
وإني أتذكر جيداً ذلك الفتى الغِر, وهو ينظر إلى يده التي كانت تمسك بعدة كتب عتيقة, وعيناه تلمعان حماساً. فقد حصل لتوه من أحد أقرباءه على صفقة جيدة من الكتب النادرة
وكان الاستثناء الوحيد هو كتاب صغير ذو غلاف أحمر لم يمانع في استعارته لكثرة ما سمع عنه.
ومن فرط حماسه, لم تزغ عينيه عن كتبه عندما استدرك قريبه ناصحاً بترجمة أخرى من ذلك الكتاب الأحمر, ولم يتذكر الغِر اسم المترجم الآخر لاحقاً سوى بصعوبة شديدة وبعد محاولات عدة على فترات مختلفة للتذكر. ولربما لم يكن ليتذكر الاسم لولا أنه كرر الاسم بصوت عالي, وهي طريقة كان يتبعها الفتى ليظهر لمن أمامه أنه يفكر في الشيء الذي يردده. ردد كثيراً لكنه لم يستطع حينها التذكر, فهز كتفيه محاولاً إقناع نفسه بأن التذكر لم يكن ليفيده بشئ, فلديه كتاب ورقي في مقابل آخر يحتاج لبذل مجهود للبحث عن نسخة ورقية منه, ولشد ما كان يكره ان يبذل مجهود دون داعٍ لذلك. والنسخة الورقية أفضل حتماً من نسخة إلكترونية قد يجدها على الانترنت. كلها ترجمات وكله ماشي.
ظل هكذا حتى أفقدت كلمات الصفحة الأولى الفتى الغِر عذريته الساذجة, وتحت وطأة أولى كلمات الكتاب الأحمر والتي ترامت كهجوم لأحد عمالقة هاجيمي إيساياما, بلهاء على غير هدى. تحول الحادث لأحد كوابيسه, حتى أن الفتى قد قرر تسمية تلك التجربة بفتنته الصغرى.
ذات ليلة تذكر الفتى الغِر ذا العيون الناعسة دائماً, أنه لربما كان نائماً حينما حدث ذلك, ففي الأحلام لا يستطيع الإنسان قراءة كتاب جديد, فهو يرى مجرد حروف مبهمة. ولكن الفتى سرعان ما نفض عنه تلك الأفكار التي بدت له تفسر الكثير. أغمض عينيه ليريحها قليلاً ولعن الأفكار التي سقته إياها دي سي كومكيس: "اللعنة, فالفتنة لا يمكن أن تكون وهماً, فهي حدثاً مستمراً, وتمت على مراحل كثيرة"
كانت الفتنة تحمل ملامح كثيرة, غروب الشمس على غلاف الرواية, ولونها الأحمر, وثقة الناشر العربي المفرطة, وحيرة الفتى أمام الكلمات التي كانت تبدو مبعثرة علي الورقة. والملمح الأكثر غرابه كان إصرار الفتى لاستكمال ما بدأه في هذه النسخة الورقية وأبت الفتنة أن تحفظ له أياً من ماء وجهه.
فبعد جهده الجهيد لتذكر اسم المترجم, استخدم الفتى الاسم ليبحث عن الترجمة على الانترنت لكنه لم يستطع الوصول لها. وكان هذا هو الرفض الأول من ترجمة طاهر.
ماذا عن نسخة ورقية؟ لقد كان هذا مستحيلاً عليه؛ فالترجمة قديمة. لثاني مرة تتمنع ترجمة طاهر عن وصال الفتى.
وما كاد يتخلى الفتى الغِر ذا العيون الناعسة المجهدة عن البحث, حتى برز له صدفة أحد مراجعات الكتاب التي أخبرته بسر التجلي الخاص بها. فلقد كان لها اسم آخر تخفيه عن الفتى, اسم لديه ما يكفيه من الإغراء: "ساحر الصحراء".
قام الفتى بتحميل الترجمة, وشرع في قراءتها حتى انتبه على صدمه لم يكن ليتوقعها, لقد اندمج الفتى في القراءة من الكتاب الإلكتروني الذي يقرأه على شاشة الحاسب, في حين أنه لم يستطع قراءة أكثر من صفحة من النسخة الورقية التي كان لها طعم القيء. إذاً أين هو السحر الذي يميز قراءة الورق والذي طالماً آمن به بصدق ويقين!!
لقد كانت معتقدات الفتى تتهاوى أمامه, ولكنه لم يكن ليستسلم بسهوله, فتح كتابه الورقي محاولاً إمساكه باعتزاز. لكن الأمر كان أسوأ من المرة السابقة, لم يصادف جملة واحدة رضي عن طريقة ترجمتها, مقارنة باللغة السلسة لنسخة طاهر, كما أنها كانت مليئة بالأخطاء.
وهنا اشتعل قبس من نور داخل الفتى, شعلة جديدة تزيد الأجواء سخونة. معتقد آخر, وعالم جديد من الكتب الإلكترونية
أكمل الفتى باقي الرواية من ترجمة طاهر, رغم أن الشك والحيطة كانتا تتناوبان عليه أحياناً, فيعود للترجمة الحمراء لعمل مقارنة بين الترجمتين
وفي نهاية الرواية, كان الفتى قد انتقل لمذهب جديد, مذهب البي دي اف, وهي صيغة الكتب الإلكترونية الأكثر انتشاراً حينها!.
وبعدما أنهى الفتى الكتاب, أراد نشر أحد الاقتباسات التي أعجبته, ولكن يا للدهشة أصابه الكسوف والخجل منه. فبحث عن المقطع الذي أراده في نسخة باللغة الأصلية, واكتفى بنشر الاقتباس بالنص المبهم, بجانب جملة بالعربية نصها: "صدق اللي قال عنها إنها رواية ممكن تحول مسار حياة أي حد يقرأها :)", مع تقييمه لها بخمس نجوم. لقد كان فتى طيباً ومتفائلاً جداً في ذلك الوقت, كان الفتى غراً وأغراه الكنز. وإن سألتم الفتى الآن عن رأيه في الكتاب, لرد بامتعاض واستخفاف بأنه مجرد هراء تنمية بشرية في غلاف رواية مسلية, ولن تفيدك بشئ إذا لم تكن متفائلاً من البداية. فالعالم لا يتآمر ضدك ليوصلك للكنز.