...
Show More
حين يكون الكاتب مشهورًا تصير كل ايماءه من ايماءاته ذات معنى عميق
يتسابق القراء والمعجبين في وضع تفسير غير عادي لكل مايفعل حتى وان كان هو نفسه لا يعرف لماذا فعل هذا او ذاك
يقول كلمة او يكتب سطرًا لا يحمل سوى المعنى السطحي فلابد ان يضفي شخصه المشهور على كل الحروف ابعادًا خفية, بحيث لو كتب كاتب عادي مغمور نفس النص لاعتبره نفس القراء ونفس المعجبين معتوهًا ولجردوه من كونه كاتبًا
المسالة اذن يا اعزائي ليست في الذوق فقط, المسالة في شخص الكاتب ولا يمكننا ان نحول دون تأثير شخص الكاتب في راينا فيما نقرأ له
اعترف ان هذا الامر يزعجني جدا
لنعد لروايتنا المحاكمة لفرانز كافكا
اني احب فرانز كافكا واحب كتاباته الغريبة القاتمة, احب شخوصه الحائرة المعذبة, احب الكثير من ايقوناته, لكن يجب ان اعترف ان ادب كافكا من الادب الذي يجتهد القارئ ليجعله مثيرًا لاعجابه
من المدهش فعلا ان كافكا لم يرد لادبه ان يُقرأ وكان واضحًا حين طلب من صديقه ان يحرق اعماله, ربما كانت تستحق الحرق بالفعل, او ربما كانت كتابات متميزة سيخسر الادب ان لم تكون في طياته, ولكن هل تستحق اعماله كل هذه التخمينات والصراعات بما كان يقصد منها
ربما حين تقرأ رواية المسخ ستجد انها بالفعل تحمل معنى كبير ذات قيمة تساوي الجهد الذي يبذله القارئ ليصل اليه
لكن في هذه الرواية المحاكمة, اين يكمن هذا المعنى؟ وان كان بالفعل موجودًا بالفعل مقصودًا من الكاتب (لم نخترعه نحن ونصبغ به كتاباته) فهل كان يستحق كل هذه الكلمات والاسطر والساعات والايام التي ضاعت من حياتي؟
امعانًا في زيادة الطين بلة قررت أن اقرا المحاكمة بالانجليزية مع الاستماع للكتاب الصوتي لاتعلم الانجليزية ولست ادري لماذا تركت كتب العالم واخترت هذه الرواية بالذات لاتعلم فيها! كادت ان تجعلني اكره الانجليزية بل القراءة كاملة
الرواية ببساطة لا تعطيك اي اجابة, فالبطل منذ بداية السطر الاول وحتى نهاية السطر الاخير لا يعرف مايحدث له, اتهم بتهمة ما (لا نعرفها ولا يعرفها البطل واظن ان الكاتب نفسه لا يعرفها!) يدور في المئتين واربعين صفحة الخاصة بالرواية (والصفحة ماشاء الله تساوي عشر صفحات لوحدها) بين هذا وذاك يقابل العديد من الشخصيات الباهتة المعالم التي تذهب وتجيئ وتدلي برايها في شئ غير معروف من الاساس فيصير حوار الشخصيات اقرب للهذيان وتسال نفسك السؤال الذي فجر ضحكنا به الليمبي (هو كان بيكلمني في ايه؟!)
كل امراة ترى البطل ماشاء الله تقع في غرامه (في دقائق) وتحاول اغواءه ويقع تحت تأثير هذا الاغواء ثم ينتقل للذي يليه بمنتهى البساطة كأن شيئًا لم يكن, النساء خلقن للمساعدة, وللاغراء ربما هذا ما اراد قوله كافكا, يضني البطل البحث عن سبيل لكسب قضيته (التي لا يعرفها من الاساس) والبحث عن من يدافع عنه من محامٍ لآخر ثم تجد نفسك في نهاية الرواية وقد وقع عليك ماخفت منه وتم محاكمة البطل بالفعل في اخر صفحة في الرواية تقريبًا وانتهى كل شئ
انتهى المجهود الذي بذلته في تحمل هذا البطل والحوارات الخالية من المعنى التي تملئ صفحات الكتاب اسطر وراء اسطر اتنبح حس الابطال فيها وحس الرجل الذي يقرأ لي الكتاب ياعيني, كل هذا ذهب هباءً
حسن بعيدًا عن نظرتي السطحية لرواية كافكا العظيم, الكثيرين سيقولون الرمزية, الابداع في وصف الحياة, اوليس الانسان متهما ومحكومًا عليه بالموت, اوليس حلمًا ذاك الذي وصفه كافكا او كابوسًا؟ الا ترين انه يرمز الى عبثية الحياة ونهايته الحتمية بالموت
حسن يا اصدقائي اني اتفهم ما ترمون اليه وادرك اني لو فهمت الرواية بهذا الشكل لصبغتها بعبقرية فذة
لكنها بالفعل لم تكن كذلك, بالفعل كان من الممكن ان يتم التعبير عن نفس هذا المجتوى العبقري نفس هذه الفكرة البراقة بشكل اقل مللاً فالبناء الادبي للرواية يكاد يكون مهلهلاًَ, ضع بين القوسين من كان يمكن الاف الاحتمالات سوى مثل هذا العمل الذي اقرأه
السؤال الاهم لو مسحنا اسم فرانز كافكا عن رواية المحاكمة ووضعنا اسم اي كاتب (عمرو فتوح) مثلا هل كنا سنبذل مجهودًا في محاولة فهم ما اراد قوله؟ ام اعتبرناها عبقرية لا مثيل لها, ام رأينا فيها وجهًا آخر للحياة أم أم أم
تبقى رواية المحاكمة في النهاية يا اعزائي بعيدًا عن فرانز كافكا وبعيدًا عن رمزيته وعبقريته وما اراد ان يقول رواية من اكثر الاعمال هلهلة وملل قرأتها في حياتي.