...
Show More
خزي- ج. م. كوتزي
توقعت عملاً مماثلا لروايته الأخرى: في انتظار البرابرة، من حيث عمق الفكرة وثقل الطرح. بدلاً من ذلك، وجدت نصاً ثري الأفكار ممتع الأحداث.
العار
تتنوع تجارب الإصابة بالعار، منها ما نقترفه بأيدينا، ومنها ما نجبر عليه، منها ما تلذذنا به ومنها ما تجرعنا مرارته. إذن فمنبع الخزي يختلف، ليس هذا فقط، بل يتابين تعاملنا معه، البعض يتقبل فعلته المخزية ويتصالح معها، يتعبرها جزءاً منه، والبعض الآخر يحاول كنسها تحت السجاد. كذلك من حولنا تتنوع طرق معالجتهم للموقف ابتداءً من الاحتواء وانتهاءً بمن يشبعنا لوماً وتقريعاً. تتفحص هذه الرواية كل تلك الثيمات بحنكة أدبية منقطعة النظير، تارةً عن طريق الحوارات، وعن طريق الأحداث تارة أخرى.
الآباء والأبناء البيض والسود الإنسان والحيوان
إلى جانب مناقشة العار ومنابعه وتداعياته، تطرح الرواية أفكاراً ثانوية عن علاقة الآباء بأبنائهم الذين بلغوا مرحلة عمرية تسمح لهم بالاستقلالية والحرية. إلى أي حد يجب على الآباء تقديم النصح؟ هل يمسكون عن فرض ما يرونه صواباً حتى لو لم يكن لديهم أدنى ذرة شك؟ هل يفترض بهم الاستمرار بتقديم التضحيات والشعور بالمسؤولية حتى لو لم يكن لهم يد فيما حصل أو كان الأبناء يضعون حاجزاً بينهم وبين حنان والديهم؟
من أواصر الأسرة ينطلق النص ليتمعن في روابط المجتمع في جنوب أفريقيا حيث الماضي يلقي بظلاله على الحاضر فيجعل طرفاً يسوغ الانتقام حتى ولو على حساب من لا جريرة له، ويجعل طرفاً آخر يشعر بالذنب حتى ولو وُلد بعد وقوع الظلم بعقود. لا يكتفي كوتزي بهذا النوع من العلاقات بل يمتد تأمله إلى العلاقة بين الإنسان والبهائم من وجهة نظر إنسانية تعترف بأن الأفكار المطروحة لا يمكن تقبلها بيسر ولكن ليس من المستحيل استيعابها.
مصداقية عالية كثافة منخفضة
الأحداث والأفعال وردود الأفعال في الرواية مقنعة جداً في الغالب. صحيح أنني لم أتوقع ما بدر من بعض الشخصيات في مواقف معينة، إلا أن ذلك زاد من إثارة الرواية. قد تطرح اسئلة على نفسك في أكثر من موضع: ترى ماذا كنت لأفعل في هذه الحالة؟ هل ثمة ما يمكن عمله للتخفيف من فداحة الفعل أو كارثية الحدث؟ هل تستحق هذه الشخصية اللوم أم التعاطف؟
وعلى الرغم من تزاحم المواضيع ودقة رسم الشخصيات، وعلى الرغم من هذه المراجعة الطويلة، إلا أن النص جاء موجز التفاصيل مقتصداً في الكلمات. لا توجد ثرثرة فائضة ولا تأملات خارجة عن النص. ليس هناك أفضل من رواية قليلة الصفحات يمكن قراءتها في سويعات ثم التفكير فيها ومناقشتها لساعات وساعات.
رواية تقدم أحداثاً ومواضيعاً ثقيلة على النفس بجودة أدبية عالية ونص شديد الإتقان والإيجاز.
أربعة نجوم ونصف.
توقعت عملاً مماثلا لروايته الأخرى: في انتظار البرابرة، من حيث عمق الفكرة وثقل الطرح. بدلاً من ذلك، وجدت نصاً ثري الأفكار ممتع الأحداث.
العار
تتنوع تجارب الإصابة بالعار، منها ما نقترفه بأيدينا، ومنها ما نجبر عليه، منها ما تلذذنا به ومنها ما تجرعنا مرارته. إذن فمنبع الخزي يختلف، ليس هذا فقط، بل يتابين تعاملنا معه، البعض يتقبل فعلته المخزية ويتصالح معها، يتعبرها جزءاً منه، والبعض الآخر يحاول كنسها تحت السجاد. كذلك من حولنا تتنوع طرق معالجتهم للموقف ابتداءً من الاحتواء وانتهاءً بمن يشبعنا لوماً وتقريعاً. تتفحص هذه الرواية كل تلك الثيمات بحنكة أدبية منقطعة النظير، تارةً عن طريق الحوارات، وعن طريق الأحداث تارة أخرى.
الآباء والأبناء البيض والسود الإنسان والحيوان
إلى جانب مناقشة العار ومنابعه وتداعياته، تطرح الرواية أفكاراً ثانوية عن علاقة الآباء بأبنائهم الذين بلغوا مرحلة عمرية تسمح لهم بالاستقلالية والحرية. إلى أي حد يجب على الآباء تقديم النصح؟ هل يمسكون عن فرض ما يرونه صواباً حتى لو لم يكن لديهم أدنى ذرة شك؟ هل يفترض بهم الاستمرار بتقديم التضحيات والشعور بالمسؤولية حتى لو لم يكن لهم يد فيما حصل أو كان الأبناء يضعون حاجزاً بينهم وبين حنان والديهم؟
من أواصر الأسرة ينطلق النص ليتمعن في روابط المجتمع في جنوب أفريقيا حيث الماضي يلقي بظلاله على الحاضر فيجعل طرفاً يسوغ الانتقام حتى ولو على حساب من لا جريرة له، ويجعل طرفاً آخر يشعر بالذنب حتى ولو وُلد بعد وقوع الظلم بعقود. لا يكتفي كوتزي بهذا النوع من العلاقات بل يمتد تأمله إلى العلاقة بين الإنسان والبهائم من وجهة نظر إنسانية تعترف بأن الأفكار المطروحة لا يمكن تقبلها بيسر ولكن ليس من المستحيل استيعابها.
مصداقية عالية كثافة منخفضة
الأحداث والأفعال وردود الأفعال في الرواية مقنعة جداً في الغالب. صحيح أنني لم أتوقع ما بدر من بعض الشخصيات في مواقف معينة، إلا أن ذلك زاد من إثارة الرواية. قد تطرح اسئلة على نفسك في أكثر من موضع: ترى ماذا كنت لأفعل في هذه الحالة؟ هل ثمة ما يمكن عمله للتخفيف من فداحة الفعل أو كارثية الحدث؟ هل تستحق هذه الشخصية اللوم أم التعاطف؟
وعلى الرغم من تزاحم المواضيع ودقة رسم الشخصيات، وعلى الرغم من هذه المراجعة الطويلة، إلا أن النص جاء موجز التفاصيل مقتصداً في الكلمات. لا توجد ثرثرة فائضة ولا تأملات خارجة عن النص. ليس هناك أفضل من رواية قليلة الصفحات يمكن قراءتها في سويعات ثم التفكير فيها ومناقشتها لساعات وساعات.
رواية تقدم أحداثاً ومواضيعاً ثقيلة على النفس بجودة أدبية عالية ونص شديد الإتقان والإيجاز.
أربعة نجوم ونصف.