...
Show More
هناك أعمال أدبية، مهما بلغَتْ شهرتها، ومهما بلغ احتفاء القراء بها، تظل لغزًا مُحيرًا بالنسبةلي، ودائمًا أجد بيني وبينها حاجزًا خفيًا يمنعني من خوض تجربتي الشخصية معها، وفي الغالب لا أفكر في اختراق هذا الحاجز وحدي، إنما أنتظر من يأخذ بيدي ويشجعني على ذلك بمشاركتي التجربة، وهذا ما حدث معي في هذه الرحلة، مع الإلياذة.
بدايةً، هناك سبب آخر - بجانب الحاجز الخفي - كان يدفعني دائمًا لتأجيل قراءة الإلياذة، وهو أنني لم أفهم يومًا تصنيف هذا العمل، تارة أجد من يقول أن الإلياذة هي ملحمة يونانية أسطورية، وتارة أجد من ينقدها بكوْنها من أشهر الأعمال الشعرية لهوميروس، وتارة أخرى أقرأ مراجعات لأصدقاء تمتدح بالأساس ترجمة دريني خشبة التي صبغت العمل بصبغة أسلوبية عذبة جعلت له مذاقًا مختلفًا وأكثر جمالًا؛ وبعد انتهائي من رحلتي مع عالم الإلياذة أقول: كل هذا غير مهم، الأهم من هذا كله أن تخوض تجربتك مع هذا العمل بنفسك، وتراه كما تشاء، ففي كل الأحوال، ومهما كانت رؤيتك للعمل، سواء كان شعرًا أو روايةً أو كتاب تاريخ حتى!، ستستمتع، وستندمج مع الحكاية.
وأنا في منتصف رحلتي مع الإلياذة كتبتُ هنا أنني لا أعلم تصنيف ما أقرأ، ولكن ما أعلمه ومتأكدًا منه أنني مستمتع، الأمر شبيه باحساسي عندما يدعوني أحد أقاربي على عزومة، فأجد على منضدة الطعام طبقًا لا أعلم ما به، فأتذوقه، فيعجبني وأظل أتناول منه حتى أكاد أنفجر من الامتلاء،حسنًا، أعلم أنه تشبيه غريب نوعًا، ولكنه بالفعل يصف تجربتي مع الإلياذة بدقة.
لستُ من عاشقي الأساطير اليونانية، وبالتالي فإن القصة ذاتها لم تبهرني، إنما أبهرتني الترجمة العظيمة لدريني خشبة كمعظم من قرأوا الإلياذة بترجمته، تلك الترجمةالتي جعلت للحكاية روحًا مختلفة، وهذا التناغم المبهر بين القصة الأسطورية لهوميروس والتعبيرات الشعرية الرنانة لدريني خشبة مع التأثر بالقرآن الكريم، هذا المزيج كان كفيلًا بصُنع إلياذة أخرى، إلياذة يتقاسم فيها كلًا من المؤلف والمترجم مواطن الابداع والجمال.
تجربة ممتعة، ولغز جديد لم يعد لغزًا بالنسبة لي بعد الآن.
كل الشكر للصديقة العزيزة للغاية/ رضوى عبد الباسط، التي رشحتْ العمل لنقرأه سويًا، كانت خير رفيقة لاختراق الحاجز الخفي بيني وبين الإلياذة، وكانت السبب في خوض هذه التجربة الجميلة.
تمت