...
Show More
"ورثت ملامحي من أمي، كما ورثت منها قابلية إصابتي بالشقيقة. ومن أبي ورثت تفاؤلًا لم يهجرني إلا مؤخرًا".
تبدأ الكاتبة الشهيرة "جون ديديون" السرد بمشهد بطلة الرواية "ماريا" في مصحة للأمراض العقلية، وحديث النفس وبعض شذرات ملغزة منها ومن "هيلين" و"كارتر" و"بي زي"؛ عندما تكمل القراءة سيكتمل المشهد لك كقطع البازل في نهاية السرد الروائي وعليك استرجاع المقدمة مرة أخرى لاستيعاب الأحداث. "ماريا" وهي ممثلة تعيش في كاليفورنيا وزوجها "كارتر" مخرج أفلام و"بي زي" المنتج وصديقهم وزوجته "هيلين"، وأشخاص محيطين بها كل منهم له دور في حياة "ماريا"، وابنة مريضة بالولادة بعيدة عنها في مستشفى للعناية بالأطفال المرضى.
"أنا لم أخطط قط لمستقبلي في هذه الحياة. فإن الخطط لا تعني شيئًا، ولا تجدي نفعًا".
مع مواصلة القراءة تستشعر عالم هوليوود المخملي وجو الستينيات الأمريكي المشهور، من خواء روحي وحفلات ماجنة ومخدرات وعلاقات مفتوحة وخيانة، مع تشريح لحياة كئيبة حزينة، وتهكم وسخرية بين السطور للحياة الأمريكية في تلك الفترة الصعبة، وما كان يواجه ذلك الجيل من تحديات حياتية ورأسمالية، لا ترحم وحرب ڤيتنام والخروج من بوتقة السُلطة المهيمنة، مع الاتجاه للتحرر من كل شئ، حالة مزاجية لجيل كامل آنذاك بدون رتوش وتجميل.
إذًا كانت الحياة بالنسبة لماريا كالقمار وعليها لعب لعبة الحياة كيفما اتفق، فالعدمية هي ثيمة الرواية مع استنتاجات أن الحياة لا معنى لها وأن الجميع سأم التظاهر بخلاف ذلك. هذا الكشف سيكون له عواقبه في نهاية الرواية "التوقف عن ممارسة اللعبة". أما ماريا فعرفت معنى اللاشئ، وستظل صامدة في هذه اللعبة! وتعيشها كما هي، لأن أسئلة الحياة صعبة والأجوبة غير متفق عليها من الجميع.
حظيت الرواية باهتمام القراء والنقاد آنذاك وكانت صرخة موجعة في وجه المجتمع، وتم تحويلها لفيلم عام 1972، كتبت له السيناريو "ديديون" وزوجها الكاتب "جون دون". رواية في زمن كتابتها غير تقليدية تفتتح وتختتم بضمير المتكلم، وتحتوي على 84 فصلًا، الكثير منها لا يتعدى الصفحة الواحدة. فهو سرد بصري؛ الحوار هو اللاعب الأساسي ومشاهد سينمائية على الورق. أيضًا أعطت ديديون لماريا بعض من صفاتها الشخصية كالسن ومكان المعيشة والابنة الوحيدة وحياة المشاهير، بل وسيارتها الكورڤيت الشهيرة.
"جون ديديون" أيقونة عصرها وواحدة من أصحاب الصحافة الجديدة في تلك الفترة، وفتحت العيون على جهات مختلفة في الحياة، أسلوب نثري متميز، مع وصف سلوك الآخرين بحنكة وتهكم بين السطور لمجتمع وحشي لا يرحم. قد تشعر أن الرواية ساذجة أو لا معنى لها ومبتذلة؛ ولكن المحتوى الداخلي للسرد له وقع على النفس بقتامته، يجعلك تفكر في نهايات البشر وسلوكهم العام الحزين وعبثية الحياة.
الترجمة رائعة لعماد العتيلي، تنم عن فهم المجتمع الأمريكي وأسلوب ديديون الإيحائي، ونقل كلمات الكاتبة ذات تقنية الكتابة والسرد متعدد المستويات؛ بل عليك اكتشاف المقصد المخفي للكلمات كقارئ.
"تعامل مع الأشياء كما هي، كيفما اتفق، ولا تستسلم".
الأغنية المصاحبة:
All Tomorrow’s Parties - The Velvet Underground
تبدأ الكاتبة الشهيرة "جون ديديون" السرد بمشهد بطلة الرواية "ماريا" في مصحة للأمراض العقلية، وحديث النفس وبعض شذرات ملغزة منها ومن "هيلين" و"كارتر" و"بي زي"؛ عندما تكمل القراءة سيكتمل المشهد لك كقطع البازل في نهاية السرد الروائي وعليك استرجاع المقدمة مرة أخرى لاستيعاب الأحداث. "ماريا" وهي ممثلة تعيش في كاليفورنيا وزوجها "كارتر" مخرج أفلام و"بي زي" المنتج وصديقهم وزوجته "هيلين"، وأشخاص محيطين بها كل منهم له دور في حياة "ماريا"، وابنة مريضة بالولادة بعيدة عنها في مستشفى للعناية بالأطفال المرضى.
"أنا لم أخطط قط لمستقبلي في هذه الحياة. فإن الخطط لا تعني شيئًا، ولا تجدي نفعًا".
مع مواصلة القراءة تستشعر عالم هوليوود المخملي وجو الستينيات الأمريكي المشهور، من خواء روحي وحفلات ماجنة ومخدرات وعلاقات مفتوحة وخيانة، مع تشريح لحياة كئيبة حزينة، وتهكم وسخرية بين السطور للحياة الأمريكية في تلك الفترة الصعبة، وما كان يواجه ذلك الجيل من تحديات حياتية ورأسمالية، لا ترحم وحرب ڤيتنام والخروج من بوتقة السُلطة المهيمنة، مع الاتجاه للتحرر من كل شئ، حالة مزاجية لجيل كامل آنذاك بدون رتوش وتجميل.
إذًا كانت الحياة بالنسبة لماريا كالقمار وعليها لعب لعبة الحياة كيفما اتفق، فالعدمية هي ثيمة الرواية مع استنتاجات أن الحياة لا معنى لها وأن الجميع سأم التظاهر بخلاف ذلك. هذا الكشف سيكون له عواقبه في نهاية الرواية "التوقف عن ممارسة اللعبة". أما ماريا فعرفت معنى اللاشئ، وستظل صامدة في هذه اللعبة! وتعيشها كما هي، لأن أسئلة الحياة صعبة والأجوبة غير متفق عليها من الجميع.
حظيت الرواية باهتمام القراء والنقاد آنذاك وكانت صرخة موجعة في وجه المجتمع، وتم تحويلها لفيلم عام 1972، كتبت له السيناريو "ديديون" وزوجها الكاتب "جون دون". رواية في زمن كتابتها غير تقليدية تفتتح وتختتم بضمير المتكلم، وتحتوي على 84 فصلًا، الكثير منها لا يتعدى الصفحة الواحدة. فهو سرد بصري؛ الحوار هو اللاعب الأساسي ومشاهد سينمائية على الورق. أيضًا أعطت ديديون لماريا بعض من صفاتها الشخصية كالسن ومكان المعيشة والابنة الوحيدة وحياة المشاهير، بل وسيارتها الكورڤيت الشهيرة.
"جون ديديون" أيقونة عصرها وواحدة من أصحاب الصحافة الجديدة في تلك الفترة، وفتحت العيون على جهات مختلفة في الحياة، أسلوب نثري متميز، مع وصف سلوك الآخرين بحنكة وتهكم بين السطور لمجتمع وحشي لا يرحم. قد تشعر أن الرواية ساذجة أو لا معنى لها ومبتذلة؛ ولكن المحتوى الداخلي للسرد له وقع على النفس بقتامته، يجعلك تفكر في نهايات البشر وسلوكهم العام الحزين وعبثية الحياة.
الترجمة رائعة لعماد العتيلي، تنم عن فهم المجتمع الأمريكي وأسلوب ديديون الإيحائي، ونقل كلمات الكاتبة ذات تقنية الكتابة والسرد متعدد المستويات؛ بل عليك اكتشاف المقصد المخفي للكلمات كقارئ.
"تعامل مع الأشياء كما هي، كيفما اتفق، ولا تستسلم".
الأغنية المصاحبة:
All Tomorrow’s Parties - The Velvet Underground