...
Show More
أريد أن أكتب عن هذه الرواية، وعن السيد بيسواس، القلق الوحيد المضطرب الحزين، صاحب الطموح البسيط و الهمة الفاترة.
عندما أقرأ روايات مثل تلك، أكتشف جزء من نفسي، كأن صفحات الرواية مرايا أقف أمامها.
في منتصفها كتبت (منبهرا بسردها وقصتها) على حساب الفيسبوك:
أثناء عودتي إلى المحلة، فتحت رواية "بيت السيد بيسواس" ل ف.س نايبول من بين عشرات الكتب التي حملتها معي من شقتي في القاهرة ضمن خطة قد تستغرق عدة رحلات شاقة كي أجمع شتات كتبي في مكان واحد.
أبهرني السرد بشدة، كيف يكتب بهذا الجمال وتلك الانسيابية ؟ من أين جاء بكل تلك العذوبة ؟ أثرت في الكتابة لدرجة كدت أن أفتح باب السيارة وأركض جوارها من شدة الطاقة التي ملئتني. وعند فقرة معينة، وددت لو أوقفت الميكروباص وقرأتها على كل الركاب، لا، سأقرأها لكل واحد في أذنه، سأتلوا الكلمات بأوضح وأعذب صوت ممكن.
شعرت أن الاستياء السابق للقراءة والحزن الذي يخيم علي منذ أيام ليس له معنى هنا، لا يصح مع هذا النثر أن تكون حزينا يا فتى. هذا نثر نادر وخلاب. أهدتني الرواية فيض من السعادة، دفعني إلى الابتسام لعدة دقائق، منعت نفسي بقوة من الضحك بصوت عالي حتى لايرتاب في أحد، خصوصا سائق الميكروباص، الذي بعدها بدقائق قليلة اشترى ثلاثة كيزان ذرة ساخنة وأقسم أن لا يأكل وحده. وهذا ما جعلني أفكر في اللحظات السعيدة التي تمر دون أن أنتبه لها، هل لو اكتفيت بالتحديق في المناظر المختلفة طوال الطريق كنت سأشعر بنفس اللذة ؟ أن أقضم الذرة - تذكرت أنني منذ شهور طويلة لم أتناوله- وأقرأ تلك الرواية الجميلة على الطريق؟ وفجأة أصبح لهذا اليوم كله، في ذاكرتي، طعم الذرة المشوي وشكل السطور المليئة بالجمل الساحرة.
"أراد أن يطيب خاطرها، ولكنه كان بحاجة لمن يطيب خاطره هو أولا. كم كان الدكان منعزلا! وكم كان مخيفا! لم يخطر بباله قط أن الأمر سيكون بهذا السوء عندما يجد نفسه في مؤسسة يملكها. كان الوقت قرب الغروب، حيث يضج بيت هانومان بالنشاط. أما هنا، فهو خائف أن يجرح الصمت، خائف أن يفتح باب دكانه، أو يخطو إلى النور.
وفي النهاية، كانت شاما هي التي منحته الإحساس بالراحة. فسرعان ما توقفت عن البكاء، وتمخطت وهي تدفع الهواء من أنفها بشدة، ثم راحت بعدها تكنس، وترتب المكان. وراح السيد بيسواس يتبعها كظلها، مشاهدا، وعارضا مساعدته، وسعيدا بأن تطلب منه شيئا، ومستمتعا بتوبيخها له إذا ما أنجز هذا الشيء بشكل سيء."
لكني عدت حزينا قرب نهاية الرواية، ليس لنهايتها، فقد قررت أن أقرأها مرة أخرى في وقت لاحق، لكن لأن السيد بيسواس استبد به الحزن والكآبة مرة أخرى وخفت أن يصاب بنوبة الذعر التي أصابته في بيته الأول وكدت أبكي لولا أن نايبول اتجه بسرعة للسخرية والصخب العائلي فلم تتسنى لي فرصة البكاء إلا ووجدت نفسي أضحك وأفرح مع العائلة.
عندما أقرأ روايات مثل تلك، أكتشف جزء من نفسي، كأن صفحات الرواية مرايا أقف أمامها.
في منتصفها كتبت (منبهرا بسردها وقصتها) على حساب الفيسبوك:
أثناء عودتي إلى المحلة، فتحت رواية "بيت السيد بيسواس" ل ف.س نايبول من بين عشرات الكتب التي حملتها معي من شقتي في القاهرة ضمن خطة قد تستغرق عدة رحلات شاقة كي أجمع شتات كتبي في مكان واحد.
أبهرني السرد بشدة، كيف يكتب بهذا الجمال وتلك الانسيابية ؟ من أين جاء بكل تلك العذوبة ؟ أثرت في الكتابة لدرجة كدت أن أفتح باب السيارة وأركض جوارها من شدة الطاقة التي ملئتني. وعند فقرة معينة، وددت لو أوقفت الميكروباص وقرأتها على كل الركاب، لا، سأقرأها لكل واحد في أذنه، سأتلوا الكلمات بأوضح وأعذب صوت ممكن.
شعرت أن الاستياء السابق للقراءة والحزن الذي يخيم علي منذ أيام ليس له معنى هنا، لا يصح مع هذا النثر أن تكون حزينا يا فتى. هذا نثر نادر وخلاب. أهدتني الرواية فيض من السعادة، دفعني إلى الابتسام لعدة دقائق، منعت نفسي بقوة من الضحك بصوت عالي حتى لايرتاب في أحد، خصوصا سائق الميكروباص، الذي بعدها بدقائق قليلة اشترى ثلاثة كيزان ذرة ساخنة وأقسم أن لا يأكل وحده. وهذا ما جعلني أفكر في اللحظات السعيدة التي تمر دون أن أنتبه لها، هل لو اكتفيت بالتحديق في المناظر المختلفة طوال الطريق كنت سأشعر بنفس اللذة ؟ أن أقضم الذرة - تذكرت أنني منذ شهور طويلة لم أتناوله- وأقرأ تلك الرواية الجميلة على الطريق؟ وفجأة أصبح لهذا اليوم كله، في ذاكرتي، طعم الذرة المشوي وشكل السطور المليئة بالجمل الساحرة.
"أراد أن يطيب خاطرها، ولكنه كان بحاجة لمن يطيب خاطره هو أولا. كم كان الدكان منعزلا! وكم كان مخيفا! لم يخطر بباله قط أن الأمر سيكون بهذا السوء عندما يجد نفسه في مؤسسة يملكها. كان الوقت قرب الغروب، حيث يضج بيت هانومان بالنشاط. أما هنا، فهو خائف أن يجرح الصمت، خائف أن يفتح باب دكانه، أو يخطو إلى النور.
وفي النهاية، كانت شاما هي التي منحته الإحساس بالراحة. فسرعان ما توقفت عن البكاء، وتمخطت وهي تدفع الهواء من أنفها بشدة، ثم راحت بعدها تكنس، وترتب المكان. وراح السيد بيسواس يتبعها كظلها، مشاهدا، وعارضا مساعدته، وسعيدا بأن تطلب منه شيئا، ومستمتعا بتوبيخها له إذا ما أنجز هذا الشيء بشكل سيء."
لكني عدت حزينا قرب نهاية الرواية، ليس لنهايتها، فقد قررت أن أقرأها مرة أخرى في وقت لاحق، لكن لأن السيد بيسواس استبد به الحزن والكآبة مرة أخرى وخفت أن يصاب بنوبة الذعر التي أصابته في بيته الأول وكدت أبكي لولا أن نايبول اتجه بسرعة للسخرية والصخب العائلي فلم تتسنى لي فرصة البكاء إلا ووجدت نفسي أضحك وأفرح مع العائلة.